أحزان في عمّان 16

هاتفت الدكتور (اسحاق مرقه) وزير الصحة الأردني، وكان اليوم جمعة، حيث إجازته الأسبوعية من عناء العمل، في بلد يُعتبر التطبيب من أهم مقوّماته السياحية، وعدد السياح العرب المرضى أكثر من عدد السياح غير المرضى. أما الأجانب فلهم في السياحة هنا مآرب أخرى: حضارية، وثقافية، ودينية، وطبيعية. وكان الرجل كريماً معي دون سابق معرفة أو تعريف، استمع إليّ بترحاب وودّ، وتناقش معي بسعة صدر ومسؤولية، وحين تبيّن له الأمر باشر مسؤولية في التحقيق حول ملابسات العملية الجراحية التي أجريت لزوجتي، ولا نزال في الانتظار.

من جانبها اهتمت نقابة الأطباء الأردنيين، وفتحت تحقيقاً مع الطبيب بهدف إجلاء الحقيقة. يذكر أن النقابات هنا لها باعٌ طويل في الحياة المهنية، علماً أن الوسط الطبي يشهد نوعاً من الشدّ والجذب، بهدف إرساء أخلاقيات المهنية وضوابها، وتمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود لتحديد الفيصل بين الدعاية و (البروبوجندا) التي تنتمي إلى عالم السوق وغثاء العولمة العابر للقارات، وبين رصانة الطب وأمانة الرسالة التي تنتمي إلى أكثر عوالم الضمير شفافية وإنسانية، ولضبط الموازنة كذلك بين جشع التجارة ونهم عوائد الاستثمار، وبين تقديم خدمة راقية عادلة هي على المدى البعيد أكثر عائدية ودعماً للاقتصاد الوطني والقطاع الطبي.

كتبت إلى الأستاذ (عبدالهادي المجالي) رئيس مجلس النواب الأردني قائلاً: “أرفع لمقامكم السامي هذه المشاكاة، ولا أقول الشكوى، ذلك أن الشكوى لغير الله مذلة، وذلك لكي أضع معاليكم في صورة ما يجري من بعض الأطباء وفي بعض المستشفيات، راجياً وقوفكم إلى جانب الحق إنقاذاً لأرواح قد تتعرض إلى ما تعرّضت له أم أولادي”.

الأستاذ (فخري قعوار) رئيس ربطة الكتاب الأردنيين، والأمين العام السابق لاتحاد الكتاب العرب، كتب يقول تحت عنوان (الفحص القاتل): “أصْبَحَتْ سمعة الأردن الطبية على مستوى المنطقة جيدة وترفع الرأس، لكن هذه السمعة تحتاج لبعض الضوابط، أو بعض الكوابح حتى لا تُصاب بأي خدش، فالأخطاء الطبية ما زالت تتكرر، وما زال المريض أو ذووه يرون فيها مجرد قضاء وقدر، مما يجعل مقترفي الأخطاء مرتاحي البال وممتلئي الجيوب على حساب أعمار عباد الله…” وقد أورد ملخص القصة وأهاب بالجهات المعنية لمتابعة الأمر.

وفي تقديري أن الضمير الأردني الحي – وبالذات النخبة التي تنظر إلى البعيد وإلى العميق – كفيل بالحد من أعراض أمراض الطفرة الطبية، وما تجتذبه فطيرتها من الهوام الباحثة عن العسل.

كان الله في عوننا جميعاً، وفي عون كل عبد هو في عون أخيه.

اترك تعليقًا