وصيتان في الحب والكراهية

الوصية الأولى كتبها الراوي العالمي جابرييل غارسيا ماركيز، صاحب الرواية الشهرية (مائة عام من العزلة)، والحائز على نوبل للآداب، والذي يحتضر منذ فترة وهو بانتظار الموت، يسبح كالفراشة بين الأنوار، مقترباً من الوهج تارة، ومبتعداً عنه ليتأمل تارة أخرى، وهو يقول: “لو هبني الله حياة أطول سأنام أقل وأحلم أكثر، ففي كل دقيقة نغمض فيها عيوننا نفقد ستين ثانية من النور”، النور هنا ليس الماسحة الضوئية التي يعبرها عميان المبصرين دون أن يستضيئو أو يتطّهروا، ناهيك عن أن يضيئوا ليزداد العالم والحياة نوراً على نور…
{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة كأنها كوكبٌ درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيءٍ عليم}. صدق الله العظيم
الوصية الثانية: نطق بها الرئيس الأمريكي المتأهب للرحيل جورج بوش الصغير في خطاب وداعي غير مؤثر، نكد به على مستمعيه الذين طمسوه وهمجيته ونظرياتهم قبل أن يطمسهم التاريخ رسمياً ونهائياً، وهاهم أخذوا الىن يتباكون كأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال في عيونهم، والملك المضاع يترحل بعيداً عن الجمهوريين متحفزاً لاحتضان الديمقراطيين، وستقول للرئيس أمه المنتظرة في تكساس: “ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال”. وقد أوصى غضنفر أفغانستان والعراق أمريكا بأن تكون هجومية، وأن لا تتخلى عن مبدأ الحرب الوقائية التي طبقت ضد العراق وأفغانستان، مضيفاً أنه يترك أساسات صلبة يستطيع الرؤساء المقبلون والقادة العسكريون البناء عليها “كما أوصى بإبقاء الضغط على الدول التي اعتبرها خطرة، ومواصلة تحديث الجيش الأمريكي الذي بات اليوم أقوى وأكثر استعداداً للمواجهة” – لك عين تتحدث عن إنجازات، يا من لعبت به شمول”.
ما من نسمة حب أو إشعاع رسالة إنسانية تخرج من فم هذا الثب الأسود الذي لا يتمكن حتى الضوء من الإفلات من براثنه فهو {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءت لم يجده شيئاً ووجد الله عنهد فوفاه حسابه والله سريع الحساب} أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}. صدق الله العظيم. حقاً ما له من نور… ما لنا وللظلاميين، وما أكثرهم هنا وهناك، وعلينا أن لا نخافهم وأن نحثو التراب في وجوههم ونهيل الكلمات كالشفرات لنقض مضاجعهم لتنعم الإنسانية بقد رمن الوئام والتعايش والتسامح والتعاون المشترك والإحترام المتبادل بعيداً عن القوة والإرهاب والتهديد بهما.
ولنعد إلى واحة جابرييل غارسيا ماركيز داعية المحبة والشفافية، ولنقتبس بعضاً من كلمات وصيته:
“لو وهبني الله حياة أطول ما كنت لأقيم الأشياء وفقاً لقيمتها المادية، وإنما وفقاً لما تنطوي عليه من معان، كنت سأستمع فقط بينما يتكلّم الآخرون، “تذكر أيها القارئ العزيز مهارشة الذئاب في البرامج الحوارية الفضائية العربية”. يضيف ماركيز: “لو هبني الله حياة أطول كنت سأرتدي بسيط الثياب، وأروي الزهور بدمعي كي أشعر بألم الأشواك وقبلات الأوراق القرمزية. ما كنت لأترك يوماً واحداً يمر من دون أن أقول للناس أنني أحبهم، أحبهم جميعاً، كنت سأترك المسنين يدركون أن تقدم العمر ليس هو الذي يجعلنا نموت، بل الموت الحقيقي هو النسيان، الناس مخطئون إذا ظنوا أنهم يتوقفون عن الحب حين يتقدمون في السن، الحقيقة أنهم لا يتقدمون في السن إلا عندما يتوقفون عن الحب، تعلمت أننا جميعاً نريد العيش في قسمة الجبل دون أن ندرك أن السعادة تكمن في تسلق هذا الجبل، تعلمت أنه ليس من حق الإنسان أن ينظر إلى الآخر من أعلى إلى أسفل، إلا إذا كان يساعده على النهوض. لقد تعلمت الآن أشياء كثيرة، ولكنها لن تفيدني لأني أحتضر”.
شتان بين وصيتين، الأولى من عالم النور، والثانية من عالم الظلام.

اترك تعليقًا