شكرا أيها الأمريكيون..

شكرا للشعب الأمريكي الحر وهنيئا هذه الديمقراطية الجميلة التي شاهدها العالم ويشهد على نزاهتها وعذوبتها وديناميكيتها وانفتاحها على اتجاهات الرياح الأربعة ، ولم يكن باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعون لأمريكا مجرد ثمرة لهذا الحراك الديمقراطي الواسع وحسب، وإنما جاء إلى كرسي الرئاسة كممثل لقوى التغيير على مستوى العالم الذي تتبوأ فيه أمريكا مقاليد الرئاسة والقيادة الميدانية شاء من شاء وأبى من أبى ، وقد نقل على لسان أحد السفراء الأمريكيين قوله: إن أمريكا أكبر من أن يتجاهلها أحد ، ولكن المشكلة ليست في تجاهل أمريكا، ولكن تجهيلها بحيث لا ترى سواها في مرآة الكوكب ، وهذه إحدى المهام التي تنتظر الرئاسة الديمقراطية حيث لن تتصالح أمريكا مع العالم إلاّ إذا تصالحت أولا مع نفسها ، والتصالح يعني استقامة الموازين ونصاعة العدالة والتغلب على التحيزات الأيديولوجية والعنصرية والدينية، وهو ما ينتظره الملايين الذين آزروا أوباما لا حبا في لونه أو منبته وإنما انحياز إلى منهجه ومنطقه ورؤاه المستقبلية التي عكست قدرا من التسامح والسعي إلى الحوار وتفهم ما لدى الآخر ، وهو الأمر الذي افتقدته إدارة الرئيس جورج بوش منذ قيامها وحتى قيامتها ، بما لا يليق بقوة عظمى حاكمة ووازنة لأمور عظيمة الأهمية ابتداء من قرارات الحرب والسلام ، وحتى استقرار الاقتصاد العالمي والحرب على الفقراء من المعذبين في الأرض ووصولا إلى إعادة التوازن البيئي الذي اختل فانطلقت تبعاته كوحوش جائعة انطلقت من عقالاتها راتعة.

طبعا مهام أوباما ليست في متناول اليد والطوع تماما، وإنما تحتاج إلى الجهاد الأكبر لأن التركيبة الحاكمة في واشنطن شديدة التباين ومتطلباتها كثيرة وكبيرة ، ووسائلها لتحقيق رغباتها واسعة الحيلة شديدة التأثير ، وكل رئيس يصل إلى السدة يضع في اعتباره منذ اليوم الأول التجديد الثاني ويتعامل مع مختلف القوى من هذا المنطلق ، وعلى أساس أنه (ما طار طير وارتفع .. إلا كما طار وقع).

ويبدو أن الدرس الأول المفيد هو فشل سياسات الرئيس جورج بوش من العراق إلى افغانستان إلى فلسطين لـ«وول استريت» وذلك الفشل الذريع هو أقوى أسلحة أوباما في معركة التغيير فلا شيء كالفشل يعلّم النجاح «وبضدها تتميز الأشياء».

الجمهوريون لم يخرجوا مهزومين كما قد يظن البعض فهزيمتهم هي أشرف انتصاراتهم بعد أن غرقوا في الوحول وسحبوا معهم أمريكا إلى قيعانها، وهذا ما أدركه الشعب الأمريكي الذي أطلق عليهم رصاصة الرحمة لكي يعطيهم الفرصة للتفكير السليم ولكي يتأكدوا أنه «ليس كل ما يلمع ذهبا» وأمامهم أربع سنوات أطول من عمر نوح.

لا أدري إذا كان الحكام العرب قد تابعوا ملحمة الانتخابات الأمريكية وكيف يهنئ المهزوم خصمه بأريحية ورحابة كما فعل ماكين وهو درس ثمين لكل من يريد دخول التاريخ من الأبواب الواسعة لا من ثقوب القوانين واجتهادات المتملقين الذين يشيرون همسا فيعمقون رمسا.

شكرا للشعب الأمريكي وتهنئة من القلب لأوباما ، ومرحى للتغيير لأنه سنة الحياة.

 

اترك تعليقًا