ولو نطق الزمان…

ما زالت اللاحرب بين روسيا العملاقة وجورجيا التي لا يزيد عدد سكانها عن 4.6 مليون نسمة تتفاعل، ومع ذلك فإن السؤال عن المتسبب يبدو شائكاً وربما سخيفاً، فالرئيس الجورجي هو من بدأ، في حماقة قل نظيرها في علاقات الأضعف جداً بالقوي جداً، ولكن البداية الجورجية ليست بداية إلا فيما يتعلق بالزمن والتوقيت، أما القهر والإحساس بالضياع والإستفزاز بفرض الأمر الواقع بقوة قاهرة فحدث ولا حرج، ولكن هذا هو منطق الحياة، فأمريكا في جوارها لا تفعل أقل من روسيا في جوارها، أي الهيمنة وسياسة العين الحمراء، ولم ننس (كوبا) ولا جمهوريات الموز ولا قناة بنما، والفرق هو ما بين اليد الحديدية الظاهرة وتلك الأخرى المغطاة بقفاز حريري، أما النتيجة فهي واحدة في الحالتين حتى تتغير موازين القوى، أو تدخل على الخط قوى طامحة من بعيد تتحدث عن رجل أوراسيا المريض، كما تحدثت عن الإمبراطورية العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فأحالتها إلى ركام قبل أن تلحقها بالقافلة التي تسير والكلاب تنبح، حيث يصبح المتمرّد أطوع من الخاتم في الإصبع، ضمن الدورة الأبدية للقوة ونفوذها، ثم اضمحلالها وسقوطها. ألم يكن هارون الرشيد هو من يخاطب السحب العابرة، ثم انتهى إل ىأحفاده إلى مخاطبة الشياه الباعرة، التي لا تعيرهم اهتماماً يذكر، لأن أفواهها قد أصبحت أمر من أفواههم:

ومن يك ذا فم مر مريض=يجد مراً به الماء الزلالا

ويبدو أنه في الحالة الروسية-الجورجية ستنقشع الملهاة – المأساة كما لبنان “لا غالب ولا مغلوب”، مع الإستئناس بشعار الأندلسيين عندما كانت أرجلهم مدلاة في محيط العدم، ورؤوسهم تمخر عباب الألم: “لا غالب إلا الله.. ونعم بالله”، ولكن هذه الصناديق المعلقة على الرقاب خلقت للتفكير وليس للتعسير والتبسير وإيراد عباد الله المساكين موارد التهلكة:

لقد أسمعت لو ناديت حياً=ولكن لا حياة لمن تنادي

الغرب يكثر من الحديث عن الديمقراطية الكاذبة التي لا يرون من خلالها سوى صورتهم القبيحة، والعيب ليس في الديمقراطية أكانت في أمريكا أم في جورجيا أم في بلاد الواق واق، لكن العيب في النفاق والرياء واستخدام المفاهيم لقتل الملاهيم ممن يستوحون وحيهم وإلهامهم من دوارق الكلام المنمق الذي لا رأس له ولا ذنب:

نعيب زماننا والعيب فينا=وما لزماننا عيبٌ سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب=ولو نطق الزمان لنا هجانا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s