أحزان عمّان 14

وهكذا… وجدت نفسي أتحول من كتابة هذه السلسلة التي كانت معنونة (أيام في عمّان) – وهو عنوانٌ محايد – إلى هذا العنوان الجديد (أحزان عمّان) وهو عنوانٌ ينبع من معاناة ويشي بقلب مكلوم ودمع مكتوم، ومع ذلك فإن في “فمي ماء” بملوحة البحر الميت، يحول بيني وبين الإفاضة والاسترسال وبسط المقال.

لتغفر لي (عمّان) – التي أحببتها من كل قلبي – إن أنا خالفت دستور الهوى وخاطبتها بلغة اللوعة، بمثل ذلك الخطاب الذي وجهه أحد أئمة (عُمان) “بضم العين” إلى محبوبته الغادرة التي لخص خلاصة ما بينهما بقوله: “يا من هواه أعزّه وأذلني… إلى أن قال:

ولأقعدن على الطريق وأشتكي=في زيّ مظلومٍ وأنت ظلمتني

لتغفر لي عمّان، ربة عمون الغابرة، والحارسة الأزلية لمياه نهر الأردن المقدمة، ولدماء شهداء الإسلام في يرموك ومؤتة، والتي بناها الرومان على سبعة جبال لتكون شقيقة روما وعلى نسقها، وهاهم أبناؤها العرب المعاصرون يبنونها على سبعة عشر جبلاً لتكون آية للناظرين، ومعقلاً للمرابطين، ومهوى وموئلاً لأفئدة المرضى والمُصابين.

لتغفر لي عمّان إن أنا أمسكت بجمرة حزني، وخططت في ذيل ثوبها الموشّى بعض لواعج روحي، وما قاسيته من مصاب فادح، وألمٍ كاسح، أفكر معه في الشرود والهورب إلى غربة غريبة لا أكلّم فيها أحداً، ذلك أن الشكوى لغير الله تعالى مذلة، وبعض قلوب الأطباء قدّت من حجرٍ صلد، فكان المستجير بهم “كالمستجير من الرمضاء بالنار”. فهم لا يرون سوى بريق الذهب ولمعان الشهرة الفارغة في نهاية النفق المظلم الذي يبحث عبره المحزونون عن بصيص ضوء ولمسة إنسانية نبيلة.

لتغفر لي عمّان إن أنا شردت منها وعنها كما شرد أسطورة اليمن (أحمد ناصر القردعي) من سجون إمام اليمن (يحيى بن محمد حميد الدين) وكان ينظر إلى جبال أهله دون أن يستطيع ارتيادها، فولى وجهه شطر الشواطئ الجنوبية وهو يخاطب الجبال:

ياذي الشوامخ ذي بديتي=ماشي على الشارد ملامه

قولي ليحيى بن محمد=با نلتقي يوم القيامة

وأنا أقول للطيب والمستشفى الذين جئتهم برفيقة دربي وشقيقة روحي وأم أولاد سليمة معافاة فخرجت من غرفة عملياتهم مشلولة فاقدة لنطق دون علم ولا هدى ولا كتاب مبين، أقول لهم: “با نلتقي يوم القيامة”.

وإلى الغد مع (أحزان عمّان).

 

2 comments

  1. رحمك الله يا والدي الطيب…

    لقد اتحملت من معاناة وألم ما لا يتحمله مئات الرجال..

اترك تعليقًا