مَنْ يُعلِّق الجَرَس؟

لعلَّ البعض من القُرَّاء قد سمع بقصَّة الفئران التي رأت أنَّ خطر القطّ الذي ساكنها في الدار قد استشرى، وأصبح يومياً، بمكره وسطوته وخُططه التكتيكية والاستراتيجية، يفترس عدداً منها، فيما يظلّ الباقون يعيشون حياةً من الخوف هي إلى الموت أقرب، بانتظار الساعة المحتومة والْقَدَر الموعود تحت ضربات مخالب القطّ وصرير أنيابه الحادَّة.
ومع تعاظم الخطر واستمرار الغارات اليومية للقطّ اللَّعين، رأت الفئران أن تجتمع لتتدارس الأمر وتتفاكر وتستمع إلى العُقلاء والمُجرِّبين وإلى الشُّجعان والحمقان لعلَّ اللَّه يجعل لها مخرجاً، ولعلَّ العقل يهديها سواء الرشاد وطريق الخلاص، خاصَّةً وأنَّ الفئران كانت في قرارات أنفسها تُؤمن بأنَّ الاتِّحاد قُوَّة، ولعلَّها كانت قد حفظت في كتاتيبها قول شاعرٍ من بني البشر ينتمي إلى الغُصن اليعربي ويُؤكِّد على هذه الحقيقة حين قال :
«كُونوا جميعاً يا بني إذا اعترى
خطبٌ ولا تتفرَّقوا أفرادا
تأبى العصيُّ إذا اجتمعنَ تكسُّراً
وإذا افترقن تكسَّرت آحادا»
وفي يوم الاجتماع المشهود والحشد غير المسبوق، حيثُ كانت الأعلام تخفق والبنود تنود، وحيثُ اختلط الحابل بالنابل والراكب بالراجل والقارض بالغارم، ودويّ الشعارات يملأ ردهات الجُحر الفئراني عظيم الهندسة وعميق الغور، فيما مُوسيقى الجوقات تصدح لا يُعكِّر صفوها غير شخير القطّ المُطمئنّ الذي لم يُعِر بالاً لما يُحاك له في الخفاء، كأنَّما هُو مَنْ عناه «المُتنبِّي» بقوله :
«وقفتُ وما في الموت شكٌّ لواقف
كأنَّكَ في جفن الردى وهُو نائم
تمرُّ بكَ الأبطال كلمى هزيمةً
ووجهكَ وضَّاحٌ وثغركَ باسم»
وفي غمرة الحماس جلجل صوت الناطق باسم الحُكماء مُعلناً للجماهير أنَّه بعد تدارس مُختلف الآراء وشتَّى الاقتراحات، فقد وقع الاختيار على اقتراحٍ حاسمٍ يدحض الخطر الداهم ويُلقي بـ «البسّ» إلى مصيرٍ أسود فاحم، وذلك بمثابة الحُكم عليه بالموت جُوعاً، وهُو أقسى أنواع الحُكم، أمَّا كيف سيتمّ ذلك، فبواسطة تعليق جرسٍ على رقبته يكشف حركاته ويفضح تحرُّكاته، وبذلك لا يقع أيّ فأرٍ في مصيدة المُفاجأة، وهُنا انبرى قطٌّ ساذجٌ فسأل الناطق باسم الحُكماء : «ولكن، مَنْ يُعلِّق الجرس يا سيِّدي؟»، وقد نزل السُّؤال كالصاعقة على مُجتمع الحُكماء، ولا يزال إلى اليوم مُعلَّقاً دُون ردّ.

اترك تعليقًا