علي محمد سعيد

علي محمد سعيد
علي محمد سعيد
عاد إلى أرض الوطن شيخ الصناعيين اليمنيين عقب رحلة علاج لم يكن منها بد، فكانت طويلة ومضنية بالنسبة لرجلٍ لم يألف الفراش وليس بينهما ودٌّ، فالفراش قار، والشيخ علي محمد سعيد دائب الحركة، واسع الآفاق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، كأنه بندول الساعة، مما يذكرنا بقول عمر ابن أبي ربيعة في “سهيل اليماني والثريّا الشامية”

قل لمن أنكح الثريا سُهيلاً
عَمرَكَ  الله  كيف iiيلتقيان
فالثريّا  إذا  استقلّت  iiشامٌ
وسهيلاً  إذا استقل iiيماني

كنت دائم الإطمئنان على صحّته من خلال صديقنا المشترك الأستاذ/ محمد عبدالودود طارش، الإنسان الجميل الذي ما دخل في أمرٍ إلا زانه، لفيض رفقه وعظيم مودّته، ولم أشأ إزعاج الشيخ الجليل في مشفاه أو دار نقاهته عدا مرّتين أوثلاثاً من خلال نجله محفوظ – الذي رافقه في رحلة العلاج من الكسور التي لحقت به جرّاء حادث سير في (سمارة) – وشكراً للألمان الذين أعادوه إلينا سليماً معافى، هاشاً باشاً كعادته، حتى وإن كان ما زال متكئاً على عكازين فذلك إلى حين. وقد بادر – كعادة الكرام – إلى مهاتفتي أمس الأول وطمأنتي على سلامة وضعه، وكان أحرى بي أن أكون المُبادر لولا أنّي لم أكن أعلم أنه قد عاد إلى أرض الوطن، ثم تلطّف فدعاني إلى عرس ابنه محفوظ قائلاً إن الجو في تعز وصنعاء يبري العلّة، وإن الأمطار سكّابة، والأزهار نفّاحة تملأ الفضاء أريجاً. لقد لامس نقطة الضعف في روحي، وأين من يمني الخضراء وربيعها الدائم في المناطق الوسطى وأنسامها الشافية في الهضبات العليا:

هذه   الكعبة   كنّا  iiساكنيها
والمصلّين   صباحاً  iiومساء
كم سجدنا وعبدنا الحُسن فيها
كيف   بالله   رجعنا  iiغرباء


وكنت صباح أمس قد تواصلت مع الشاعر الكبير أستاذنا أحمد الجابري، وشعرت من صوته ومن كلامه أنه ليس على مرام، وقد أبلغني أنه يريد الذهاب إلى أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية لإجراء عملية القلب المفتوح وأداء العمرة، آه يا قلبي، من لها في الليلة الظلماء؟ وقد وجّهت رسالة إلى الصديق العزيز الدكتور أبوبكر القربي وزير الخارجية، ولكن تلفونه لم يستجب، وربما كان خارج البلاد، وسأتحدث اليوم إلى الأستاذين حسن اللوزي وزير الإعلام ومحمد أبوبكر المفلحي إن أمكن، وإلى الأستاذ/ خالد الرويشان الذي طالما رعى الأدباء والأعلام، والذي قرأت له عموداً مؤثراً بالغ الحنوّ في ملحق الثورة الثقافي تحت عنوان “قلب الجابري” جاء فيه: “قلب أحمد الجابري في العناية المركّزة… صعقني الخبر، وأدركت أن طفولة هذا القلب الشاعر شديد الحساسية قد فاض بها، ولم تعد تحتمل المزيد من أتربة النسيان وعذابات الوقت. لقد كانت هذه الطفولة الفاتنة، السياج القوي الذي استطاع أن يصمد أمام رياح الزمن وتقلبات الأحوال وأعاصير الأصدقاء والأقارب”، ويختم بالقول: “ما زلت أغني مع الجابري بيت قصيده الجميل:

أعطيت  قلبي  لمن  يسوا  وما  iiيسواش
كل من جهش له وخذ من لوعني مجهاش

وقد تحدّثت كذلك إلى جسر المحبة محمد عبدالودود طارش فقال لي أنه سيفاتح في الأمر عبدالرحمن هائل سعيد، علماً أن آل السعيد كانوا السّباقين إلى إسعاف الجابري في مستشفى اليمن الدولي بتعز، وسيعود إليهم مجدداً هذا الأسبوع. وخلال مرض الشيخ الجليل علي محمد سعيد بعث إليه الجابري مؤازراً وتعبيراً عن محبة صادقة مبرأة من الغرض، يتملأ بها قلب الشاعر الكبير:

شكوت  لله  همي  فانبرى  iiرجلٌ
للخير  يغمرني  بالعون في حدبِ
أزاح   عن  كاهلي  هماّ  يعذبني
فما  شعرت  بهمّي لا ولا iiنصبي
وكان لي خير من أرجو ولي أملٌ
في  الله  ألاّ  ترى شراً فذاك iiأبي
غداً   تعود  لدار  الآل  iiمكتسياً
ثوب الجمال وفي عينيك iiمرتقبي

وها هو الشيخ علي محمد سعيد قد عاد كما تمنى الجابري مرتدياً ثوب الجمال ونظارة الحلُم وحيوية الحياة… حمداً لله على السلامة.

اترك تعليقًا