نصابين هذا الزمان

(الفترينات) واجهات المحال والمعارض التجارية، لم توجد عبثاً، فهي مصممة لاجتذاب عيون المارة، ومن ثم جرّ أرجلهم لشراء البضائع المعروضة، وكما يقال، فإن “من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه”، وهذا ما حصل معي مع أحد معارض الأدوات المنزلية، فلكثرة مروري بجانبه وتأملي لمعروضاته وقعت في الغرام الإستهلاكي، وهو أحد أمراض العصر، حيث يصرف الناس مدخراتهم في شراء منتجات قد لا يحتاجونها أبداً، ومن الصعب أن يكتشف الفرد إصابته بهذا المرض إلا بعد أن يقع الفأس في الرأس، وتتجهم بعض الوجوه في البيت احتجاجاً وامتعاضاً على شراء سلعة لم تطلبها (وزارة الداخلية) ولا أوصت عليها، بل – ربما – لم تسمع عنها من الأساس.
قل يا سيدي وقعت هذه المرة في غرام وعائين بلاستيكيين يحملان على عجلة لتنظيف الرخام في المنزل وفي أي مكان، مثل الفنادق والقاعات، وبين الوعائين أو في أحدهما عتلة ضاغطة للماء الذي جرى استخدامه، والأخرى تستخدم للماء النظيف والمواد الكيماوية المضادة للجراثيم، والتي تُعطي في الوقت ذاته رائحة عطرية.
ما علينا من هذه التفاصيل التي لا تهم القارئ بشيء، وبناءً على هواي الجديد دخلتُ إلى المحل وأنا نافشٌ ريشي مثل ديك في حلبة مصارعة، ذلك أن الوقت وقت كساد، والسوق سوي المُشتري – كما يقول أصحاب الإقتصاد – وليس سوق البائع. طلبتُ الوعائين وملحقاتهما قبل أن أسأل عن السعر، وهذا مرضٌ قديم أيضاً، أعرفه عن نفسي ولا أجد له علاجاً، علماً أنني صاحبت أناساً “يفحرون” البائع حتى يدمون جلده، ومع ذلك قد لا يخرجون بأيّ تخفيض في القيمة يساوي عناء المعارك الكبرى التي يخوضونها ولو لشراء “ربطة كراث”.
على كل حال، كا برفقتي اثنين من أولادي وصديقٌ لهما من الأردن، أخذتهم جميعاً معي للمساعدة في نقل الغنيمة التي أوشك على الحصول عليها بثمنٍ بخس، وقد فوجئتُ بالبائع العربي المتوتر يقول لي إن الثمن ألف ومائتا درهم إماراتي – أكثر من (60) ألف ريال يمني – بهتّ وامتقع لوني، فقلت له: “هل البلاستيك أصبح يصنع من معدن الذهب؟”، قال: “لا، لكن هذه صناعة أمريكية، ولو ألقيت بالوعائين من الطابق العشرين لنزلا على أقدامهما مثل القطط، ولن يحدث لهما أي ضرر”، قلت له: “يا أخي العزيز “تطمّن” فلن أرميها لا من الطابق العشرين ولا من الطابق الأوّل، إلا إذا أصابني الجنون”، قال: هذه أسعارنا، وأنت حرّ”، قلت: “العوض على الله، بنشوف الإبداع الصيني في هذا المجال”. أعطيت الأولاد مائتي درهم وقلت: “اذهبوا إلى (جمعية أبوظبي التعاونية) في الميناء، فقد تكون بغيتنا هناك، “ميد إن شينا””، ذهبوا وما كذبوا خبراً، فجلبوا واحدة طبق الأصل من الأمريكية، وبمائة درهم – فقط لا غير – أفيسأل سائلٌ بعد ذلك كيف تتدفق أموال العالم إلى الصين؟
كنت قبل ذلك قد وقعت ضحية نصاب يتاجر بالمكانس الكهربائية عبر التليفون، ويشغل كوادر من العاطلين لا يعطيهم سوى عملوة مبيعات، ومعنى ذلك أن من عجر عن البيع لا يحصل على شيء، وكانت حيلته هي أن يقدم عرضاً سخياً بتنظيف البيت مجاناً، ومن ذا الذي يرفض مثل هذا العرض؟ ومع ذلك فإن ذلك هو الفخ الذي وقع فيه كثيرون، حيث يطلبون المخدات على وجه الخصوص، ثم يستخرجون منها ما يبدو كأنه حشرات مجهرية، وبذلك يقع الفأس في الرأس، فالماكينة ثمنها ثمن سيارة صغيرة، وهي ثقيلة بحث إذا تم استخدامها مرة فلن تتكرر، وهذا ما حصل، ومع ذلك فإن صاحبنا نصاب التليفون لا يكف عن ملاحقتك، وكأنه قد باع لك (بوينج 707)، فهو يقيم حفل شاي مرة كل شهر، ويعلن عن السحب على جوائز قيمة، ويا سبحان الله، ما من مرة جرى السحب إلا وكان الفائز المفترض غير موجود في القاعة، فيقوم صاحبنا بالإتصال مثنى وثلاثاً، قائلاً إنه بعد المحاولة الرابعة سيجري السحب على الموجودين، وعندما تتهلل الأوجه بشيء من الفرح الممزوج بالمرارة، يجيب شخص على الطرف الآخر، فيهلل النصاب قائلاً: “لقد حصلت على الجائزة يا حبيبي”، وطبعاً جميع الضحايا من المشترين الذين يعلنون في الصحف عن مكائن تنظيف للبيع فلا يجدون مشترياً، وقد حصل أنني فكرت ذات يوم في إلحاق صديق عاطل للعمل مع هذا النصاب المحترم، فقا لي: “ولو، مو على راسي، بس ترى العمل بعمولة وليس بالراتب”، وعلى مدى ثلاثة أشهر كنت أدفع من جيبي أجرة المواصلات والهندمة لصديقي الذي عجز عن بيع قطعة واحدة بعد أن عرفت المدينة كلها قصة هذا النصاب، و “يا داخل السوق، من مثلك كثير”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s