نجود و شذى اليمنيتان

الطفلة اليمنية نجود علي (10 سنوات) سنصّفق لها طويلاً، ونذرف الدموع أمام المأساة التي أنقذت نفسها منها بشجاعة منقطعة النظير، وسنعتبرها واحدة من أكبادنا التي تمشي على الأرض، والتي كدنا أن نفرّط فيها بسلبيّتنا واقتناعنا بالفرجة من الشرفات وشعار الجبناء: “نفسي… نفسي… ويا روحي ما بعدك روح”

وليس هكذا يعيش المجتمع الفاضل، والأخلاق الكريمة تفرض على الأسوياء والأتقياء والأنقياء إماطة الأذى حتى عن الطريق، أي أن لا تمضي لشأنك وهناك – على سبيل المثال – قشرة موز رماها مستهتر في غير مكانها، لأن هناك احتمال أن يتزحلق عليها أحد المشاة فينكسر عموده الفقري – لا سمح الله، فكيف الأمر بجناية الظلم وتعريض طفلة لاغتصاب (شرعي) بسبب جهل والدها، وبسبب التقاليد البغيظة المخالفة لروح الشريعة، لأن هناك فقهاء النصوص من يركَبون مراكب الجهالة والغفلة والتضليل ليوردوا الطفولة موارد التهلكة، كذلك المغربي الذي أفتى بزواج بنت التاسعة إذا كانت تحتمل ما تحتمله النساء، ولم ينظر هذا العالِم – القادم من عفن الكتب الصفراء – إلا إلى بعض المرأة، وكأنها عنزة بلا مشاعر وبلا إحساس، تُسلّم إلى جزّار يفعل بها ما يشاء طالما دفع الثمن الزهيد، وأمّن لها لقمة عيش – الله تعالى يعلم ما هي – في قبو مظلم، وزنزانة مظلمة.

نجود علي، اليمنية الشجاعة رغم صغر سنها البالغ (10 سنوات) قالت “لا” لكل هذه المباذل وعمليات البيع والشراء، واستشراء جهل الآباء الذين يتحوّلون من حُماة لبناتهم إلى نخّاسين لا يعرفون كيف يتخلّصون منهن إلاّ بالزواج المبكّر، لأنهم يجدون من يوثّق لهم، ومن يتغافل عنهم، من المكلّفين بضبط إيقاع المجتمع أخلاقياً وقانونياً، ولأنهم يجدون في سلوك آخرين – لم يحل دونهم حائل – ما يشجعهم على المضي في الطريق الخاطئ، لتذهب الفتاة من بيت إخوتها حيث الدفء والحنان والرعاية الأمومية إلى بيت زوجية لم تتهيّأ له، ومن هناك إلى القبر، كما قال أحد المفتين العرب الزّاعقين كالغربان حاملين سيف عنترة لبتر الرؤوس التي تشكو الصداعا “إن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا مرتين في العمر، واحدة إلى بيت زوجها، والأخرى إلى القبر”، أما حضرته وأمثاله فإنهم لا يطيقون الجلوس في البيت لساعات، بل إنه أجاز أن تكون جدران البيت صمّاء لا نوافذ لها حتى لا تَرى المرأة شيئاً مما يجري في الخارج.

هؤلاء الظلاميين هم من يشوّهون صورة الدين بإسم الدين، ويغرسون في نفوس الجهلة الغليظة ونوازع الظلم، ولا بد من مواجهتهم ومقارعتهم وجرجرتهم إلى المحاكم حتى يعرفوا أنّ الله تعالى حق، وأن الدين نور، وأن تكريم المولى للإنسان يشمل المرأة والرجل على حد سواء، وهذا ما فعلته بشجاعة وتصميم ومقدامية الطفلة نجود علي، ومعها محاميتها الرائعة شذى ناصر رعاها الله عزّ وجل، والتي وقفت بعلمها وحلمها وصلابتها وتعاطف المجتمع والشرفاء من الناس إلى جانب نجود في أروقة المحكمة بصنعاء حتى ظهر الحق وخلّص القضاء العادل الطفلة من براثن الجهل والاستعباد. ولا شكّ أنّ آخرين كانوا وراء نجود، ولكنهم كالجنود المجهولين الذين يفعلون ولا يُؤجرون. لقد دخلت نجود ومعها شذى التاريخ الاجتماعي والقانوني والأخلاقي من أوسع أبوابه، واختارتها مجلة (جلامور) في نيويورك بين (نساء العالم) إلى جانب أشهر النساء اللامعات، كالسيناتورة هيلاي كلينتون، ووزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، ونجمات هوليوود وعلى رأسهم نيكول كيدمان. وجاء في شرح المجلة الشهيرة لإنجاز نجود شذى: “إن نجود وشذى ناصر ستعملان معاً على إنقاذ فتيات أخريات من ظاهرة الزواج المبكّر”. تهانٍ من القلب.

اترك تعليقًا