شوقي السقاف… قامة مشّعة…

كعادته الطيبة في الوفاء لذكرى الراحلين من أبناء الوطن الذين تركوا بصماتهم الخيّرة في حياة الناس، وكانوا كالنجوم في ميادين عملهم، والذين يقال عنهم “بأيّهم اقتديتم اهتديتم”، بعث إليّ الصديق محمد عبدالودود طارش نص الكلمة المؤثرة التي نشرها الدكتور علي محمد الشيباني في صحيفة الجمهورية الغرّاء يوم الثلاثاء المنصرم 21/10/2008م في رثاء الدكتور الطبيب شوقي السقاف، والذي وصف بن عبدالودود بأنه فقيد الفقراء، وفقيد الوطن وكفى بذلك تقريضاً في زمن أصبح غالب الطب فيه تجارة رابحة، وعلماً يتناقص بسبب انشغال الطبيب عن الدرس والتحصيل ومتابعة المستجدات بحصيلة اليوم والغد من المال، وليس الأطباء في ذلك جنساً مغايراً، حيث أن أكثر فاعليات المجتمع تنحو هذا النحو مع الأسف، ولا يفيد الوعظ في مثل هذه الأمور التي لا يخترقها سوى أصحاب الضمائر الحيّة، الذين يُضرب بهم المثل في حياتهم وفي مماتهم.

يقول د. علي محمد الشبياني: “ليس كل من تخرّج من كلية الطب يصبح طبيباً، فالكثيرون ممن تخرجوا ليسوا بأطباء أو حتىّ أنصاف أطباء، ذلك أن الطب معارف متصلة غير منقطعة، فالذين هجروا الكتاب بعد تخرجهم وكفوا عن مواصلة الإطلاع واعتبار الطب رسالة إنسانية وليس مهنة تجارية، يعتبرون عبئاً كبيراً على الوطن”. ويشير إلى الدكتور الراحل بأنه يمثل موضع الريادة بين الصنف الأول من الأطباء الحقيقيين، فقد ظل رحمه الله منذ بداية حياته العملية يشكل نموذجاً فريداً في علاقته مع مهنة الطب، ففي محراب خلواته كان ينتظره جُلساء من خير الأصدقاء وأجلّهم قدراً وأعظمهم فائدة وألطفهم معشراً وأفضلهم مؤانسة وأكثرهم نفعاً. ثم يتساءل الدكتور الشيباني: “هل عرفتم؟”، ونقول: “نعم، ولنا في المتنبي مرجعية”:
أعز مكان في الدنى سرج سابح=وخير جليسٍ في الزمان كتابُ
وقد وافاني أيضاً سكرتير بن عبدالودود الشاب المجتهد البالغ اللطف رضا الأغبري بمقال الزميل عز الدين سعيد أحمد في الجمهورية الثقافية والمعنون (شوق الفقراء)، وهو يتناول الجانب الإنساني للطبيب الراحل شوقي السقاف، وفيه:
وحدهنّ النساء الفقيرات اللاتي ستكوي الحسرة والألم قلوبهن لرحيل الدكتور شوقي السقاف،أما نحن “أصدقاؤه” فسنحتاج إلى زمن طويل حتى نعتاد على زاوية مقيلنا بدون حديث العقل وروح الإنسان بعد أن رحل الدكتور الفنان شوقي السقاف، أشهر أطباء النساء والولادة في بلادنا، وأكثرهم نبلاً وبساطة.
يا الله، لكم هي الحياة ثرية بالنبلاء من البشر، وأنا على يقين أن الآلاف من النساء الذين مررن برعاية هذا الطبيب الإنسان لو كُنّ يُجدن الكتابة لعبرن عن مشاعر متدفقة من الوفاء الجميل.
ويقول عز الدين عندما رحل اكتشفنا أن الزمن أكثر قسوة مما كنا نعتقد جميعاً، أما هو فإنني سأبقى ألمح في وجهه ابتسامة الرضى، وهزّة الرأس المعبّرة عن القناعة والإستخفاف بمظاهر الحياة الزائفة، فهو من القلة القليلة التي جعلت سلوكها اليومي تطبيقاً لما تؤمن به من فكر ومبادئ.
ليس لدي ما أضيفه إلى قول هذه الصديقين الجميلين: علي محمد الشيباني، وعز الدين سعيد أحمد، ذلك أنه لم يكن من حظي التعرف على هذه القامة الإنسانية المشعة، وأنا أضم صوتي إلى الدكتور الشيباني الذي وجد نداءً حاراً لكل من يهمه الأمر لرعاية عائلته، ومساعدة بناتة اللواتي يحملن صفات العبقرية لمواصلة دراستهن… وشكراً لمحمد عبدالودود حامل العادات الطيبة، “ولكل امرئٍ من دهره ما تعودا”.

اترك تعليقًا