صُنَّاع الحياة…

هُناك مَنْ يهدون إلى الناس اليأس والإحباط والتشاؤم والموت والعَدَم، وفي مُقابلهم يقف صُنَّاع الحياة ومُبدعو الأمل وصانعو التقدُّم من الذين يهدون الناس الأمل والشفاء والتفاؤل ويُجسِّدون القُدوة الحسنة، فَمِنْ أكفِّهم تنبع المياه لتخضرَّ الأرض، وَمِنْ حاصل جُهدهم وجهادهم تعلو مداخن المصانع ليجد الناس أعمالاً وأرزاقاً، وَمِنْ حُبِّهم لوطنهم وشعبهم تُشاد المُستشفيات العصرية، وَمِنْ أفكارهم النبيلة تتجمَّل المُدن بالأسواق الحديثة والعُمران والمرافق العصرية، ولا بأس أن يستفيدوا كما أفادوا، ذلك أنَّ حوافز بناء الحضارة والمُجتمعات الجديدة ينبغي أن تتراكم وأن تتوالد، فالجبل العظيم يتكوَّن من أحجارٍ مُتفاوتة الحجم، وأمانة عمارة الأرض وإدامة النماء ليست في مُتناول كُلّ إنسانٍ ولا يُحاط بها في يومٍ واحد، فَمِنَ الناس مَنْ يبيت في العراء، ومنهم مَنْ يقتدر على بناء كُوخ، وهُناك مَنْ تنهض بهم هممهم لبناء منزلٍ مرموق، وهُناك البُناة العظام الذين يُشار إليهم بالبنان، فهُم في مُجتمعاتهم كالنُّجوم في السماء، زينةٌ وهدايةٌ ومثابةٌ للناس، وبمثلهم يقتدي المُقتدون، فلا شيء كالنجاح يُعلِّم النجاح.

صُنَّاع الحياة لا يتوقَّفون عن الصُّعود، فإذا تعثَّروا بحجرةٍ أزاحوها عن الطريق دُون أن يتَّهموا أحداً بالكيد لمسيرتهم، قُلوبهم مُعلَّقةٌ بالقمَّة دائماً، وعقبات الطريق تشحذ هممهم وتُضاعف خبراتهم، أمَّا صُنَّاع الفناء العدميون، فإنَّهم يتخبَّطون في الظلماء كأعمى دُون بصيرة.

صُنَّاع الحياة يُضاعفون الخير والخيرات، مثلهم «كَمِثْلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِل فِيْ كُلِّ سُنْبِلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيْم»، وهُم «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِيْ السَّمَاء»، والعدميون الذين يكرهون الحياة مثلهم «كَشَجَرِةٍ خَبِيْثَةٍ اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار»، وأعمالهم «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيْحُ فِيْ يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُوْنَ مِمَّا اكْتَسَبُوْا عَلَىْ شَيْء ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيْد»، صدق اللَّه العظيم.

أَخْلِصُ من هذا المدخل إلى ما أثلج صدري وآنس قلمي وأشاع السُّرور في قلبي وأنا أُتابعُ افتتاح فخامة الأخ الرئيس علي عبداللَّه صالح لمُستشفى اليمن الدُّولي، الذي نهض به «صُنَّاع الحياة» من مجموعة شركات هائل سعيد أنعم «آل السعيد»، واستقرَّ مَعْلَمَاً حضارياً وطبِّيَّاً وإنسانياً فوق جبل «الدوملة» في الحوبان – تعز – بمُواجهة جبل «صَبِرْ»، ليُنافس شقيقه الأقدم منه المَعْلَم السياحي البارز «سُوفتيل».

وكُنتُ قد تابعتُ المشروع حين بدأ العمل في إنشاء بُنيته المعمارية، وتحدَّثتُ حوله مع الشيخ «علي مُحمَّد سعيد»، عُضو مجلس الشُّورى، رئيس مجلس إدارة المجموعة، فقال لي : «المشروع نبع من مُعاناة أبناء اليمن من المرضى الذين يذهبون إلى شتَّى البُلدان طلباً للشفاء، فيُكلِّفهم ذلك الكثير من الجُهد والمال والإرهاق، وقد يتوفَّقون إلى مُستشفياتٍ جيِّدة، فيستفيدون، ورُبَّما خانهم الحظّ وعدم المعرفة، فيقعون في أيدٍ غير أمينة، حيثُ أصبح للطبِّ والمرض سُوقٌ تجاريةٌ رائجةٌ لها وسطاء يتلقَّفون المرضى من صالات المطارات، يبيعون بهم ويشترون، ووجدنا أنَّ في قُدرتنا ومن واجبنا – ولنا خبرتنا الواسعة في مُستشفى السعيد بتعز – أن نُنشئ مُستشفىً لعُموم أبناء الوطن وللزائرين والمرضى من الدُّول الشقيقة، على أن يكون مُستوفياً للمعايير العالمية : كوادر، وأجهزة، وأخصَّائيين، وأن يُدار من قِبَل مُؤسَّسةٍ تعمل على النطاق العالمي في هذا التخصُّص الدقيق، ووقع الاختيار على (مجموعة أبولو العالمية)».

وأضاف الشيخ «علي مُحمَّد» : «إنَّ تعز، بمناخها المُعتدل وأنسامها، هي في حدِّ ذاتها مشفىً يُبرئ العليل ويُنعش القلب الحزين، فكيف الحال بجبل (الدوملة) الذي طوَّقه أخي (أحمد هايل سعيد) بالخُضرة، بذوقه الرفيع وحسِّه المُرهف، فجعل من مغانيه آيةً للناظرين»، وكان الحاج «أحمد هايل» يتبسَّم بأريحيةٍ وهُو يُصغي إلى الإطراء الصادق.

مُنذُ ذلك اليوم وأنا أترقَّبُ افتتاح هذا المشروع الرائد، وقد سألتُ عنه قبل أشهُرٍ حين حضرتُ افتتاح مصنع الأسمنت الضخم التابع للمجموعة في وادي «صاحم»، من أرض الحواشب المُلاصقة للعَنَد، فقيل لي : «ستسمع عنه قريباً جدَّاً»، وحين لفتني صديقي وأخي «مُحمَّد عبدالودود طارش» عبر مُكالمةٍ هاتفية، إلى أنَّ أمسٍ الأوَّل هُو الموعد المُنتظر، وأنَّ فخامة الأخ الرئيس هُو الذي سيفتتحه، ليكون في ذلك التشجيع، كُلّ التشجيع، للعاملين بصمتٍ والناهضين بما يُمليه عليهم الواجب الوطني، أيقنتُ أنَّ القلب قد قال مرحباً، «وَقُلْ اعْمَلُوْا فَسَيَرَىْ اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسْوْلَهُ وَالمُؤْمِنُوْن».

اترك تعليقًا