بهر الصينيون أربعة مليارات متفرج حول العالم بالافتتاح الأسطوري للأولمبياد، وذلك بحضور 90 من رؤساء العالم الذين توافدوا لتقديم التبريكات لشعب طالما حاول المستعمرون على اختلاف ألوانهم وسحنهم تهميشه وتغييبه ونهشه قبل أن يسيقظ العملاق ويقف على قدميه الجبارتين محطما القيود والأغلال ونافضا عن نفسه غبار القرون وما علق بثقافته من العادات البالية التي لم تعد تناسب العصر الحديث.
شارك في الافتتاح 14 ألف صيني، قدموا لوحات مبهرة تناغموا فيها كنبض جسد واحد على امتداد ثلاث ساعات من الأداء المحلق بدون أي ارتباكات أو نشوزات، وقد تولّى جيش من قارعي الطبول قوامه 2008 من الفنانين العد التنازلي للحفل الذي يعد دليلا على نهضة التنين من العزلة والفقر وتحوله إلى قوة اقتصادية ساطعة في سماء العالم.
جاء شعار الدورة “عالم واحد.. حلم واحد” ليعبر عن رؤية إنسانية متحضرة مقارنة بعالمين سادا حقبة الحرب البادرة وبجانبهما عالم لا منتم سمي العالم الثالث على وزن الجنس الثالث، وقد تُرك لمصيره بعد أن وضعت “الباردة” أو زارها إلى حين، وقد يتم الاحتياج إليه إذا ما اشتعلت حارة أو باردة مصداقا للمثل “رزق الهُبل على المجانين”. ذلك أن كل نار محتاجة إلى حطب. وأجود الأحطاب في مخازن حطابي العالم الثالث ولله الحمد.
ما كان لي أن أشرد بعيدا عن الفرح، ولكن الشجى يبعث الشجى، وقديما قال صاحبنا الذي لم يرقأ له دمع “فدعني فهذا كله قبر مالك” وأمتنا من محيطها إلى خليجها في قبر مالك، ونحن نبكي على أطلالها ونندب في كل فرح مع الاعتذار للصين التي تبكي من الفرح لا من الألم.. وهو أجمل البكاء.
“عالم واحد.. حلم واحد” سيظل حلما، ولكنه مع الأولمبياد حقيقة واقعة، وبعد الأولمبياد لنا الله. وقد تم الإعلان عن كلفة الأولمبياد التي بلغت 28 مليار يورو، وخلي بالك من اليورو، لأنه حوالي اثنين دولار.. أما بالريال اليمني فلا تتعب نفسك بالحساب، فالمبلغ لا يحصى ولا يعد كما نقول، ولكنه بالدرهم الإماراتي أو نظيره الريال السعودي يناطح المائة وثلاثة وستين مليارا.. فتصور يارعاك الله.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى شهدت مكاتب توثيق الزواج يوم أمس الأول في مختلف أنحاء الصين إقبالا شديدا لم يسبق له مثيل منذ تأسيس الصين الشعبية.. ففي بكين لوحدها تمت 16400 زيجة، وذلك تيمنا بالرقم 8 المتكرر 3 مرات إجباريا، وأضافوا إليه اختيار 8 دقائق و8 ثوان بعد الساعة الثامنة. وللرقم أهمية كبيرة في الموروث الصيني إذ أنه يعتبر جالبا للحظ السعيد.
عموما حفل الافتتاح أعاد التذكير بتاريخ الصين القديمة دون إملال، لأن لديهم من الجديد ما يفاخرون به بكل ثقة.. وكان نيشيد الحفل المصاحب بسيطا ومعبرا ومضيافاً، ونصه: “حضر الأصدقاء من بعيد.. كم نحن سعداء” عالم كامل مضغوط في كلمتين فهل يتعظ شعراء الحداثة المفتوحة أفواه قربهم كالأمطار الاستوائية.
حضر الأصدقاء من بعيد.. كم نحن سعداء.
يا سلام.. خير الكلام ما قلّ ودلّ.