عقبى لنا…

“لكل امرئٍ من دهره ما تعوّدا”، هذا في العموم، ولا يمكن النظر إليه في المطلق، فبعد الإبلال من المرض، أو في الطريق إلى الشفاء، فإن أفضل عادة هي أن لا تكن لك عادة، وفي أحايين كثيرة على الإنسان أن يتغيّر من النقيض إلى النقيض، فيحبّ ما كان يكره، ويكره ما كان يحبّ، فالمدخّن وجب أن يقلع حين يكن الخيار بين تعاطي السم الزعاف وبين حياة نظيفة تخلو من الكيف ولكنها تقدم بدائل نظيفة يحتفي بها الجسد وتبتهج الروح، والنهم إلىالأكل، وخاصة اللحوميين ينبغي عليهم الرحيل إلى عالم الخضروات والفواكه وموائد البحر الغنية بكل ما هو مفيد، وأنا أكاد أسمع البعض يقول الآن: “إنك في ظل أزمة الغذاء الطاحنة كمن يقول للجائع الذي لا يج ريالاً ي جيبه: لماذا لا تأكل البسكويت بدلاً من الخبز اليابس؟!”، ولهؤلاء أقول – خارج تبرير المجاعات وعواصف الفقر التي تجب ما ادخره النسا لتذورها أدراج الرياح – “إن الكثير مما كنا نعده في أزمنة قديمة دليل الفاقة يصنف اليوم في المآكل الهنية الصحية، فعودوا غلى قوائم طعام أمهاتكم أيام العناء، فقد مرّت علينا حقبٌ ملتبسة أبعدتنا – على سبيل المثال – عن العصيد والكدر وخبز القمح وأقراص الشعير والدخن الذي يصنفه الخبراء على رأس الحمية… الخ، وقد أنحزنا في زمننا إلى إبراز الذي لا ننتجه والصانونة الهندية التي تحرق الأمعاء بمكوناتها، وأنواع معينة من الأسماك لا نتجاوزها ونعاف ما تبقى ن خيرات البحر التي لا تعد ولا تحصى وتعدها شعوب أخرى من ضمن الأفضل هضمياً وصحياً، وخاصة شعوب الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا.
كما أننا الآن أكثر نهماً من الأجداء الصغيرة التي على الحيب وقريباً، منه، وفي ذلك ما فيه على هذه الثروة، والآن الجوع خير معلم، والحاجة أم الاختراع، فإنني أتوقع اختراقات غذائية في اليمن تتواءم مع منتجات البيئة، والعينات كثيرة، ولكن التعميم قليل لضعف الوعي وغياب منظمات المجتمع المدني التي استغرقتها السياسة ونسيت بقية جوانب حياة الناس التي هي في الوقاع ملح السياسة بمعناها الشامل، كما أ الجامعات التي تنتشر كالفطر تتعالى عن مثل هذه الأمور، بل قد يثير ضحك القائمين عليها مطالبتهم الاهتمام بالغذاء انتاجاً واستهلاكاً ومقوماً أساسياً للعقل والصحة والإقتصاد الوطني. ورغم كل ذلك فإننا نقول “ربّ ضارة نافعة” فالزراعة – إذا ما نظرنا إلى النصف الممتلئ من الكأس، لا أن نبكي ما كان في النصف الفارغ وامتصته الرمال – ستشهد إقبالاً يتوازى مع العوائد المتصاعدة، ودعونا نحلم بأنه قد يأتي وقت يفضل فيه المزارع اليمني استنبات القمح والشعير والفواكه بدلاً من هذا القات المأفون الذي سمم حياة الناس، وأفنى أرزاقهم، ودهوَر صحتهم.
ما علينا… فالمرء لا يتعلم إلا من تجاربه وخيباته، وقل أن يتعلم من النجاح ما يتجاوز به النجاح، وكنت – وأنا أتأمل من ثقب الإبرة في مستشفاي حياة الناس في برلين – أتلمس شواهد متزايدة على أن هذا الشعب قد تعلم من مآسيه أكثر مما تعلم من انتصاراته… وعقبى لنا.

اترك تعليقًا