دفاتر فضل النقيب

بشير البكر
بشير البكر

كاتب المقال الأستاذ:بشير البكر (جريدة الخليج الإماراتية)

يتعرف القارئ لكتاب فضل النقيب “دفاتر الأيام” على ناثر من طراز خاص، له قبل كل شيء علاقة بفن الكاريكاتير، ليس فقط لجهة ابراز المفارقات والتعبير بجرأة، بل القدرة على التقاط التفاصيل اليومية، وتسليط الضوء على الجوانب غير المرئية للشخصيات، والسخرية المرة من دون تشهير أو إلحاق الأذى. إن من يقرأ الكتاب يطغى عليه انطباع اساسي، وهو أن هذا الكاتب يمتلك عين رسام كاريكاتير فطري.

يرسم النقيب الكثير من شخصياته بجملة واحدة فقط، يشعر القارئ حيالها انه ليس بحاجة للاسهاب أو التفسير، وإلا فسد البورتريه. والكاتب بذلك مسلح بوضوح الفكرة وسلاسة اللغة وانسيابيتها.

ولو لم اتعرف إليه وهو يوقع هذا الاصدار خلال معرض الشارقة الاخير للكتاب، لقلت انه يطل من عصر الناثرين المخضرمين في مرحلة أخرى.ينتقل من الجزئيات إلى الكليات بمهارة وحرفة، ليحقق نوعا من التوازن الذي يمتع القارئ قبل كل شيء، كتابة توصل الفكرة للمتلقي لكنها لاتنتمي لعصر الكتابة السريعة.إن القارئ لعدة صفحات من الكتاب، يجد نفسه يقترب من الجاحظ والعقاد وطه حسين، ويقف على حافة عالم من الطرافة والدهشة والمرارة والتهكم.

يخيل للقارئ ان النقيب يريد ان يلعب بالكلام ليطرد الضجر حيناً، وفي أحيان أخرى ان يسخر من الطبقة السياسية التي حكمت عدن في مطلع السبعينات.ويغمز من قناة المثقفين والنخبة التي درست في الخارج، وعادت إلى البلاد ووجدت نفسها لا هنا ولا هناك، وان يشنع بمسؤولي أجهزة الأمن الذين نسبت لهم تجاوزات وافعال يشيب لها الولدان. إن فرادة النقيب هي في انه يلم كل هذا، ويكثفه أحيانا في جملة واحدة.

وضعتني قراءة الكتاب امام مفاجأة كاتب عمود متميز ساخر له نكهته الخاصة، متمكن من أدواته من دون ادعاء. عميق وهادئ وطريف وساخر من نفسه ومن الآخرين الذين عاصرهم، طيلة عدة سنوات في عدن وصنعاء، قبل ان يشد الرحال، بحثا عن سلامة النفس وسلامها.وتصل سخريته في الأحيان إلى مفارقة أقرب إلى السوريالية منها إلى الواقع، وهنا يكمن السر.انه لايحرف الواقع، وانما يعيد تكوين تفاصيلة على طريقته الخاصة، ووفق رؤيته المشبعة بحس النكتة والسخرية.

واللافت في كل ذلك هو أن الكاتب يترك موضوعه يدور حول مرحلة سياسية محددة عاشها، ويتناول بالنقد الكاريكاتيري الرئيس سالم ربيع علي، الذي حكم في ذلك الوقت، والذي تعزا له حالة التصحر التي عاشها البلد على المستويات كافة، بسبب الشطط في التطبيق الاشتراكي. ومقابل شخصية الرئيس الفردي المستبد، تبرز شخصية المثقف والكاتب والسياسي التنويري عمر الجاوي، الذي يلازمه النقيب طيلة سنواته التي قضاها في عدن، وهذا نوع من الوفاء للمثقف المختلف والسياسي العصي على الترويض، الذي نسيه المثقفون والسياسيون معا.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s