تبدأ في مدينة الشارقة بدولة الإمارات العربية المُتّحدة بعد غدٍ السبت، فعاليات الاجتماع الأوَّل للَّجنة التنفيذية لمشروع «ذاكرة العالم العربي»، بمُشاركة مُمثِّلي (22) دولةً عربيةً، نرجو أنْ يتكأكأوا كالفُرسان ويقطعوا أيدي القُرصان، الذي اختطف مِنَّا الذاكرة وجعل من خيباتنا أُحدوثةً سائرةً.
ولا نملك سوى الإعجاب والدُّعاء لأُولئك الشباب الذين يحرثون شواطئ البحار العربية المالحة، على أمل أنْ يستنبتوا، ذات يومٍ وفي غفلةٍ من الزمن العربي العقيم، زهرةً تُؤذن بقُدوم الربيع، ولو من بوَّابة الذاكرة المليئة بالرماد والدُّخان وما بقي من طلاسم «داحس والغبراء» ومن مرويّات «أبي زيدٍ الهلالي» ومُغامرات «السندباد» في جُزر المرجان ومعزوفات «زرياب» في القُصور الحسان، التي نُبكيها مُنذُ الرحيل عن الفردوس المفقود في أندلس الغُصن الرطيب.
الذاكرة العربية بحجم الدُّنيا وبقامة التاريخ، لكنَّها ثُقِّبَتْ بفعل فاعلين، فَتَقَزَّمَتْ لتُصبح بحجم الحاكم الذي لا يُغنِّي إلاَّ لنفسهِ ولا يُسبِّح إلاَّ بحمدهِ هُو ولا يرى موهبةً أو عبقريةً إلاَّ إذا أَشْرَقَتْ من أطراف أصابعهِ وَانْطَفَأَتْ بإشارةٍ من رمشهِ.
نَعَمْ، الذاكرة العربية تنزف كجريحٍ تُرك في أرض المعركة بعد أنْ وَلَّتْ فُلول المهزومين، فأخذ يزحف إلى أقرب جدار، لعلَّهُ يكتب بدمهِ السطر الأخير الذي كتبتهُ الأميرة الأندلسية على ظهر ابنها الباكي على صخرة «التنهُّدات» في جبل «العربي الأخير» :
«إِبْكِ مِثْلَ النِّسَاءِ مُلْكَاً مُضَاعَاً
لَمْ تُحَافِظْ عَلَيْهِ مِثْلُ الرَّجَالِ»
نرجو أنْ لا يقتتل المُجتمعون على نصيب كُلٍّ منهم في الذاكرة المغدورة، وأنْ يدعوا الخُبز لخبَّازهِ، أي للعُلماء، فالتقاسم الذي أَسَّسَتْ لهُ الدُّول العربية في محافلها كثيرة العدد، قليلة العوائد، لا يُنتج سوى الأجنَّة المُشوَّهة التي سُرعان ما تُفارق الحياة، وإذا جرى قتل أيّ مشروع، فلن تقوم لهُ قائمةٌ مرَّةً أُخرى، أو هكذا جرى القلم في مُسبِّبات الألم.
وقد صَرَّحَتْ الدُّكتورة «هبة بركات»، مُدير المشروع التابع لمركز التُّراث الطبيعي والحضاري بمكتبة الإسكندرية، بأنَّ الاجتماع سيبحث إنشاء بوَّابةٍ إلكترونيةٍ على شبكة المعلومات الدُّولية – «الإنترنت» – باللُّغتين العربية والإنجليزية، مع إصدار كُتِّيباتٍ لنماذج مُقتنيات المتاحف وَسِيَرِ العُلماء العرب وأهمّ المُدن العربية والتُّراث الشعبي والصُّور الفُوتوغرافية للربط بين مُقتنيات المتاحف والمكتبات العربية، مُشيرةً إلى أنَّ الاجتماع سيُناقش تشكيل اللِّجان العُليا للمشروع واللِّجان الفرعية، وكذلك إعداد مجموعةٍ من اللِّجان لدعم سير العمل.
ولا أُخفيكم أنَّني شَعَرْتُ بالرهبة المشمولة بمرارة الخيبة المُتكدِّسة مُنذُ زمنٍ مُوغلٍ في الزمن عندما كَثُرَ الحديث عن اللِّجان، التي قد لا يُشفي غليلها إنسٌ ولا جان، وذلك يعني – كما فَهِمْتُ – أنَّ (22) دولةً عربيةً ستُمثَّل بِمَنْ هبَّ ودبّ في عملٍ علميٍّ تقنيٍّ واسع النطاق، وأنَّ ذلك سيكون مصدر إبطاءٍ للعمل، إنْ لم يكُن قتلاً لهُ، وأرجو – مُخلصاً – أنْ تكون ظُنوني حُلم ليلة صيف، وأنَّهُ حين ينبلج الصباح وتسكت «شهرزاد» عن الكلام المُباح، سيكون كُلُّ شيءٍ على ما يُرام، فالطيور تُغرِّد على الأغصان، والسواقي تجري وسط الحُقول، وشبكة «الإنترنت» تتكلَّم بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ وبإنجليزيةٍ «تُخزي العين».
ومع تمنِّياتنا للمُجتمعين بالتوفيق والسداد، نرجو أنْ يختصروا الكلام، ونُذكِّرهم بالمثل القائل : «إذا أَرَدْتَ قتل مشروع، فشكِّل لهُ لجنةً»، طبعاً لكي تختلف لا لكي تأتلف.