نهضة في اتجاهين..

يحاول ساسة الخليج العربي وناسه أيضاً تناسي السياسة واستحقاقاتها وثرثراتها التي أولها هزل وآخرها جد، كما يلاحظ المراقبون ذلك في دولة الكويت التي عطلّت الحياة البرلمانية فيها الحياة السياسية وأضرت بالاقتصاد في زمن لا يرحم المتلكئين الذين يريدون أن يكونوا الأوائل فيما هم يتشاجرون قبل الإنطلاق ويضعون العصي في دواليب العربات المتأهبة للسباق وللساسة والناس في الخليج العربي ما يشغلهم عن السياسة المباشرة بالبناء الاقتصادي واغتنام فرص الثروة التي تتدفق كنهر جار من آبار البترول ومن ذهب الأراضي التي تتحول بلمسات سحرية إلى كنوز ومما يفيض به العالم من أموال وخبرات تندفع إلى منطقة الخليج بحثاً عن استثمارات مجزية وعوائد عالية وهؤلاء يبحثون عن قوانين مرعية ومحمية من الدولة، وعن حرية في الاستثمار وإدخال وإخراج الأموال، وعن استقرار يوفر الأمن والأمان، وهي كلها أمور موجودة وملموسة ولا يعكرها معكر حتى الآن، ولذلك فإن الأمن هو أولوية ولا مجال للإخلال به وتبدو دبي هي الرائدة في مستقبليات الاقتصاد الخليجي وبكل المقاييس المطلوبة، وقد تحولت إلى ورشة عمل غير مسبوقة في تاريخ المنطقة وربما في تاريخ العالم، وخلف دبي شمرت أبو ظبي عن سواعدها وفعّلت أموالها ومدخراتها التي تفوق مدخرات جميع دول مجلس التعاون مجتمعة وذلك بسحب بعظها إلى الداخل بعد أن كانت تطوف حول العالم في محفظة استثمارات هائلة، وحتى إشعار آخر ستبقى الإمارات بجناحيها دبي وأبو ظبي هي العربة التي تقود قطار الاقتصادات الخليجية.. وقد نهضت دبي بدور كسر الأطر التقليدية المنحصرة في بيع البترول واستهلاك السلع مع الافتقار لأي خيال يجاري ما في العالم من تطورات وخاصة لجهة توظيف العقول في مضاعفة الثروات.. اليوم الوضع تغير وتحول، فقد تم طرد البلادة الذهنية إلى الأبد وتم استيراد مواطنين من تكبان التنابلة إلى معمعة الإبداع، وهؤلاء ابلوا بلاء عظيماً فدخلوا قوائم الشرف العالمية كرواد ومديري مجمعات مالية وصناعية ومعرفية ذات مستوى عالمي.. ويذكر هنا الدور المحفز الذي قام به صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم في رعاية النهضة وضرب المثل والضرب أيضاً على الأيدي العابثة.. ما علينا وأهم ما في التجربة هو إشعاعها في محيطها العربي، فقد أحرجت تجربة الإمارات دولاً اقليمية كبرى وصغرى ومتوسطة لم يعد لديها عذر في المرواحة في أماكنها أو إحراق مقدراتها أو السماح لأمراض التخلف والجشع بالقضاء على مستقبلها.. إن بلدا مجاورا للخليج كاليمن يمتلك 2200 كيلو متر من الشواطئ البحرية البكر، وأربعة فصول متزامنة على مدار العام، ثروة حضارية ممتدة لآلاف السنين وثروات سطحية ومعدنية وبترولية وغازية، وأهم من كل ذلك ثروة بشرية تمد مرافقة بأيد عاملة رخيصة وبكوادر وسطى تلقت تدريباً ميدانياً في مختلف المهاجر، ليس له عذر في أن يكون الفقر شغلة الشاغل بدلا من العمل المنتج، وليس له عذر في أن يترك السوس يأكل غلاله وينخز بنيته دون الإقدام على خطوات جادة تطيح بالفساد وسطوته المتمكنة في كل مرافق الدولة، وقل مثل ذلك عن العراق ومصر وسوريا والجزائر.

إن الخليج العربي يمتلك 37% من احتياطي النفط المثبت في العالم ويتوقع أن تحقق عوائد النفط لهذا العام 2007م حوالي 540 مليار دولار، وقد بلغ الفائض في الحساب الجاري لدول مجلس التعاون في الربع الثالث لهذا العام 180 مليار دولار بما يفوق فائض الحساب الجاري لليابان البالغ 168 مليار دولار، وفي السنوات الخمس الماضية حققت البتروكيماويات فقط 1.5 تريليون دولار بما يفوق جميع صادرات الهند والبرازيل وتركيا وبولندا مجتمعين.

إذاً النهضة في الخليج لم تأت من فراغ وليست سائرة في طريق ذي اتجاه واحد، بقدر ما يأتي العالم إليها تذهب هي إلى العالم، ويا سعد من نفع واستنفع.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s