الناس والزمن

الذين يصفون الزمن كدواء للجراح وإبراء الاَلام ليسوا بعيدين عن الحقيقة في الخبرات البشرية الشائعة، كما أن الذين يصفونه لنيل المعالي والارتقاء بواسطة تراكم المعرفة وصقلها وتفعيلها بالعمل المبدع قد أنصفوا الزمان وأنصفوا الإنسان في اَنٍ.

 

الزمن بالنسبة للمحزونين يتحدر بجراحهم من الاَماق حيث الدموع إلى الأعماق حيث السكينة في ضوء الشموع، مرحلة الدموع استجابة إنسانية طبيعية للصدمة والفقدان واكتشاف البون الشاسع بين ما كان وما سيكون ، ويعمل الزمن على إطفاء النيران المشتعلة التي تأكل بعضها وتحويلها الى شموع هادئة تضيء عتمة النفس الملوعة وقد تصل بها الى إيمان عميق تتجاوز به كل الاَلام وصولاً إلى الغفران.

لعل كثيرين من الأجيال الشابة سمعوا عن إمبراطورة إيران السابقة فرح بهلوي، أما جيلنا فقد كانت ملء سمعه وبصره، نجمة من نجمات العصر وفاتناته محاطة بالأبهة الملكية وإقبال الدنيا بالمسرات، أو هذا ما كنا نظنه، ذلك أن القصور كالأكواخ لا تخلو من منغصات الحياة وسوافيها العادية، فالإنسان خلق في كبد، لشدة المعاناة، وكwل يصله نصيبه ولو كان في برج مشيد، والمصائب تأتي على قدر المصابين، فمن علت منزلته كبرت مصيبته ولو كانت واهنة لدى العموم، ومن صغرت منزلته خف حمله وامكنه عبور الحياة من دون أن يثقله وشاه إيران الامبراطور محمد رضا بهلوي لم تكن الدنيا لتسعه بخيلائه وتلك الهالة التي رسمها كوارث لإمبراطورية عمرها 2500 عام وقد احتفل بذكراها في (برسيبوليس ) في سبعينيات القرن الماضي ببذخ لا سابق له حيث كانت الطائرات تأتي من باريس وهي تحمل لحوم الطواويس وتوابعها من مطعم (ماكسيم) الشهير للنخبة من الملوك والرؤساء والمشاهير الذين تقاطروا إلى احتفال العصر الذي حوله الزمن سريعاً إلى مسمار في نعش الإمبراطور والإمبراطورية، فما هي إلا سنوات أسرع من لمح البصر حتى وجد الشاه نفسه مذلاً مهاناً طريداً يهرب منه أصدقاؤه الذين فرش لهم رموش عينيه أيام (العز والهيلمان) وأولهم الأمريكان الذين لا صديق لهم غير المصالح، ومن طائرة إلى طائرة ومن عاصمة إلى عاصمة حتى تعطّف أنور السادات فسمح له بقضاء أيامه الأخيرة في مصر، وعودة إلى الإمبراطورة فرح التي استضافها التلفزيون الفرنسي قبل أيام في برنامج (حياة عامة – حياة خاصة) بعد أن جفف الزمن دموعها وصالحها مع نفسها وكانت الحلقة مخصصة للحديث عن الروابط العائلية وهل هي صلات دم فحسب أم قلوب؟ تحدثت بحكمة المصابين الذين لا أمل لهم فيما كان ولا تطلع إلى ما سيكون وأسقطت دمعة من المخزون القديم على ابنتها الصغرى ليلى التي ذهبت ضحية المهدئات ذلك أن المصائب لا تأتي فرادى، وقالت ماذا كان عليّ أن أفعل هل أطلق رصاصة على رأسي أم أواصل العيش ؟

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s