على أبواب مرحلة…

تحتفل الجمهورية اليمنية اليوم بالعيد الوطني السابع، عيد الوحدة التي جبّت ما قبلها من أعياد شَطرية، أو بالأصح أنزلتها عن عروشها لتتبوأ مكاناً أدنى من عيد الوحدة الذي جمع المجد من أطرافه كما يقال، ومع ذلك من يستطيع أن ينسى أو يتناسى يوم 26 سبتمبر 1962، الذي آذن بزوال الحقبة الإمامية المظلمة التي أطبقت على الشطر الشمالي لأكثر من ألف عام من السّير إلى الوراء، من عراء إلى عراء، ومن ذا الذي يستطيع أن ينسى أو يتناسى يوم 14 أكتوبر 1963 الذي تحرر بعده الشطر الجنوبي من الإستعمار البريطاني، ونهضت الثورة لاحقاً بتوحيد ذلك الجزء المتشظّي آنذاك إلى أكثر من عشرين سلطنة ومشيخة وإمارة.
وهكذا هو التاريخ، لا يتوقف عند يوم من الأيام، أو شخص من الأشخاص إلا بمقدار ما تركه من بصمات خالدة تُلهم الناس، وتدفع عجلة الحياة إلى الأمام، ذلك أنّ بعض الأيام المجيدة لا تلبث سوى ومضة من شمس التاريخ، حتى تعود بعدها إلى نقيض ما بشّرت به، وبعض الزعماء والقادة من النُّخب السياسية لا يلبثون سوى مجرى نفسٍ من أنفاس الحياة عند قمم المبادئ العليا، ثم يستسيغون تحويل العام إلى الخاص، والوضوح إلى الغموض، وما كان حقاً مشروعاً مُكتسباً بنضال جميع الناس إلى هِبَةٍ مفرّغة من مضامينها، تُستردّ متى شاؤوا، ولذلك فإن من المستحيل اختزال الوطن إلى يوم، أو اختزال الشعب إلى فرد، وهذا ما أدركه الرئيس علي عبدالله صالح الذي يسعى منذ الوحدة إلى إرساء حياة سياسية متوازنة، تعتمد النهج الديمقراطي، والتعددية الحزبية، والتبادل السلمي للسلطة، وربما كان هذا – حتى إشعارٍ آخر – أهم المنجزات الوحدوية، مع عدم التقليل من أهمية أي منجزاتٍ أخرى، ومع عدم إغماض العين عن السلبيات، وعلى رأسها الفساد المستشري الذي خلق اقتصاده الخاص المسمى (اقتصاد الفساد) الأمر الذي يفاقم معاناة الواقعين في خط الفقر، وأولئك الذين تحت الخط طبقاً عن طبق، وأولئك الذين بالكاد يُخرجون رِجلاً ضعيفة فوق الخط، أما الطبقة الوسطى – الذين يمثلون الحراك الديناميكي للتنمية وإشاعة المعرفة وتمثيل قيم الحياة الجديدة – فإنهم وبكل أسف يتآكلون أمام هجمة الفساد وتدنّي الدخول، ويهوون لا تدري إلى أين، فلا هم بمستسيغي فقر المعدمين، ولا هم براغبين أو قادرين على تسلق سلالم الفاسدين، وهم في تأزّمهم هذا يتركون فراغاً لا يمكن ملؤه، حيث يختل توازن جميع طبقات المجتمع، وفي تقديري إن إعادة الضبط إلى هذا الميزان هو أكبر وأعظم التحديات، وكل إيراد ينبغي أن يوظف في هذا الإتجاه وبعمق.
هذا العام يجري الإحتفال بعيد الوحدة في محافظة إب، اللواء الأخضر، الذي يبعث على التفاؤل بطاقات الحياة في التجدد والنماء، ويتقاطر اليمنيون على اختلاف مشاربهم إلى هناك وسط إجراءات أمنية مشددة. وقد حظيت هذه المحافظة خلال العام المنصرم باهتمام خاص لإنجاز العديد من المشروعات الحيوية، وفقاً للتقليد الذي اختطّه الرئيس بإقامة الاحتفالات مداولة بين عواصم المحافظات، بحيث تسلط الأضواء على احتياجات المحافظة المختارة، وأمامي الآن وأنا أكتب هذا الموضوع في فندق (سوفوتيل) بتعز الدكتور بهران وزير الكهرباء والطاقة، التي تعدّ بين أهم قضايا التنمية الكبرى، والرجل الذي ينتمي إلى محافظة إب لم يقصّر في الوعود ولكن الناس جعلوا من وعوده بتوليد الكهرباء بالطاقة النووية مجال أخذ ورد لا ينتهي بينن مكذّب ومصدّق، وأهل ذمار أصبحوا يسألون عن الطاقة الشمعية بدلاً من النووية. سألت الدكتور فقال لي: “أنا أطلب 18 شهراً، وبعد ذلك حاسبوني”. 18 شهراً ليست بالزمن المديد يا دكتور… وكل عامٍ والناس جميعاً بخير.

اترك تعليقًا