الجائزة

شهدت مدينة تعز أمس عرسها الثقافي السنوي بتوزيع جوائز مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة في دورتها العاشرة، وكان الحضور كثيفاً بصورة لافتة: جمهور غفير من النساء والرجال والشباب والشيوخ، الأمر الذي يؤكد عراقة الجائزة وسمعتها العلمية التي فوق الشبهات، ونحن نعلم أن العديد من الجوائز في بلاد متعددة من هذه الدنيا تشوبها شوائب عديدة من المجاملة أو التحيّز المعرفي أو المناطقي، وهذا الأمر لم يأت بالصدفة أو بدعاء الوالدين كما نقول، وإنما جاء عن سابق قصد وتصميم، فمجموعة السعيد أكبر البيوت التجارية في اليمن، قد صمّمت جائزة المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم (المُؤسس) لتكون على شاكلتها: دقة في النظام، واختيار محكم للمحكّمين، ونماء متواصل. فكل عام يفوق ما قبله، كمن يبني العمارة العظيمة يعمّق أساساتها ويصلّبها، ثم يبدأ البناء الرأسي طبقاً عن طبق، وقد حاز الجائزة أربعة من المرموقين في مجالات تخصصهم، وهم: د. محمد صالح الكهالي في العلوم الطبية، ود. عبدالحميد الحسامي في الإبداع الأدبي، وأمين الصلاحي ومحمد سيف العديني مناصفة في العلوم الإسلامية، علماً أن قيمة الجائزة تبلغ مليون ونصف المليون ريال، وهي بذلك تعد أكبر الجوائز في الجمهورية اليمنية، وقد حجبت أكثر مجالات الجائزة لأن البحوث المقدمة – حسب لجان التحكيم – لم ترق إلى مستوى شروط الجائزة، وقد أشار المتحدث بإسم لجان التحكيم إلى أن الهدف – الذي لم يدع للتساهل مكاناً – هو الإرتقاء بالحياة العلمية والمعرفية والعقلية، بما يتوائم وإنجازات العصر.

ولم تأخذ الجائزة منذ دورتها الأولى وحتى العاشرة بالآراء الحادبة التي ترى أنه لا بد من الأخذ بعين الإعتبار هشاشة البنية العلمية والمعرفية في البلاد، ليكون من ذلك المدخل لشيء من التساهل، ولكن أنظمة الجودة التي تأخذ نفسها بها مجموعة السعيد في مختلف مجالات عملها حول العالم، من المصارف إلى التجارة إلى الصناعة، قد فرضت فرضاً الأخذ بالأصعب “ومن طلب العلا سهر الليالي”. وكنت العام الماضي قد تحدثت إلى الحاج علي محمد سعيد رئيس مجلس إدارة المجموعة، ورئيس مجلس أمناء الجائزة حول هذا الأمر فقال: “لا تساهل مطلقاً في الشروط العلمية والمعرفية، ولكنه كان قد اقترح مكافأة المشاركين الذين بذلوا جهداً ملموساً، فتم رفض الإقتراح من مجلس الأمناء على أساس أنه يقلل من قيمة الجائزة، ويفتح الباب أمام نفر سيتقدمون فقط من أجل المكافأة، فيما أعناقهم لا تطول ذرا الجائزة. وقد قُدّمت في الحفل مجموعة من الدروع لشخصيات لها إسهاماتها الملموسة في الحياة الثافية العامة، وذلك من باب الوفاء، ومنهم مع حفظ الألقاب د. محمد أبوبكر المفلحي، و أحمد الأصبحي، د. عبدالله العلفي، د. غازي الأغبري، القاضي عصام السماوي، علي لطف الثور، إسماعيل الكبسي، عبدالباري طاهر، محمد أحمد الرعدي، عبده عثمان محمد، إبراهيم المقحفي، وكاتب هذه السطور.
وغني عن القول أن قيمة الجوائز ترصد سنوياً بصورة كاملة بغض النظر عن المجالات الفائزة والأخرى المحجوبة، ويذهب المتبقي إلى الأنشطة الثقافية التي تنهض بها مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، وقد التقيت بالمصادفة الصديق الدكتور محمد فاضل السعدي الأستاذ بجامعة تعز، ولكثرة ما التقيه في المؤسسة ظننته يعمل بها، فأفادني أنه يأتي للإستفادة من مكتبتها الغنية، مشيراً إلى أنّ المجلات العلمية العالمية التي كان يذهب إلى مكتبة واشنطن للإطلاع عليها أصبحت الآن تحت يديه هنا في مكتبة السعيد، ويعلّق: “تصوّر أيُّ حظٍ لا يحلم به كثير من الباحثين والدارسين في مدنٍ أخرى”. وكان وزير الثقافة: د. محمد أبوبكر المفلحي قد قرّض دور المؤسسة الرائد كملمح أصيل من الحراك الثقافي في اليمن. وبانتهاء الحفل الذي كان تتويجاً لأنشطة ثقافية متنوعة على مدار شهر تحت إشراف ورعاية المدير العام فيصل سعيد فارع – الذي تغيّب لسبب قاهر – اتجه الجميع لافتتاح معرض الكتاب في جانب آخر من المدينة المحتفية بعرسها الثقافي.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s