غداء أمل..

تحدثت الاسبوع الماضي عن غداء عمل لم تكن لي فيه ناقة ولا جمل، وان كان قد اضاف الى رصيدي من المعرفة ماهو اهم من الاكل والشرب ورؤية الامواج الساهية اللاهية في بحر ابوظبي، اما غداء الامل فهو تحليق في الاحلام، وهل هناك ماهو اجمل من حلم تعثر على طريق سالك لتحقيقه عبر وصفة مجربة تلمسها بيديك وتروزها بعينيك وتستمع الى حفيفها باذنيك، ولا بأس بعد ذلك اذا اقمت أودك بلقيمة او بلقيمتين.

كانت البداية مكالمة من الشاب الذماري الخلوق محمد علي الثوباني مدير مكتب الحاج سعيد أحمد لوتاه مؤسس وراعي المدرسة الاسلامية للتربية والتعليم في دبي والتي تضم بين طلبتها المحمولين المشمولين علماً وتربية وتغذية وسكناً حوالى 170 يتيماً من ابناء اليمن مع عشرات غيرهم من العالمين العربي والاسلامي، وكان من بين ما نقله عن معلمه بعد ان تنقل كالفراشة من موضوع الى آخر قوله: لو أنهم يهتمون بأبنائهم مثل ما نهتم لكان في ذلك الخير كل الخير، ثم ماذا يريد اليتيم الغريب غير بشاشة وجه ولمسة حانية واحساس يغمره بأن هناك وطناً يتفقده وأهلاً يسألون عنه؟

خابرت الاخ سالم صالح محمد وسكنه قريب من المدرسة كما ان ابنته خلود قد اكملت دراستها في الطب في كلية دبي الطبية للبنات المجاورة للمدرسة والتي أنشأها الحاج سعيد وهي الاكثر شهرة واعتمادية في مجالها، وقلت له: الايتام ينتظرون يا ابا صلاح، ولا بد ممّا ليس منه بدا اجاب باريحيته المعهودة: ابشر، ولكن مارأيك ان تكون سعيفي، «قلت له: سمعاً وطاعة» وهكذا شددت الرحال من ابوظبي برفقة ولدي عمار ليلة الزيارة فما من احد يضمن وصوله في الميعاد اذا اقرر ان يخوض بحر الزحام في دبي وفي المساء كنا ضيفي رجل الاعمال قاسم عبدالرحمن الشرفي في فندقه المفضل «مريديان المطار» وكان من ضمن الموجودين الاخ ضيف الله شميلة الذي ما ان سمع عن عزمنا زيارة المدرسة حتى قال: وانا ثالثكم، وقد مرَّ عليّ في الصباح حاملاً كعادته سطلاً من العسل في يمينه وكيساً من البن في شماله، قلت ألا ترى انك كمن يحمل التمر الى هجر، قال: «الزبيبة لا تملأ المعدة ولكنها قد تجبر الخاطر» قلت له: احسنت الاطلالة واحسنت الجواب.

ولا اخفيكم طبعا اننا سعدنا كل السعادة بالزيارة وبذلك الاعتزاز الذي تعكسه عيون الاطفال الذين يدور سنهم حول العاشرة ولكنهم يحدثونك عن اسرار الكمبيوتر وميكانيكا السيارات وانظمة التبريد وصناعة الاثاث وزراعة الحدائق بلسان عربي مبين وهم يمارسون كل ذلك عمليا الى جانب الدراسة النظرية، وقد صادفنا هناك الشيخ عبدالرحمن بن يحيى العماد والدكتور علي عبدالرحمن القربي، ورب صدفة خير من ميعاد، وقد دار الحديث حول جامعة الايمان وامكانية استفادتها من تجربة المدرسة الاسلامية الرائدة ليكون في ذلك صلاح الدنيا والاخرة، وقد افاض الحاج سعيد في بسط مفهوم العبادة الذي يشمل العمل بكل درجاته وتخصصاته وتمنى سالم صالح على العماد ان يؤثر على الشيخ عبدالمجيد الزنداني اذ ينقل اليه تجربة المدرسة التي اسست على التقوى فكان الجواب الذكي من الشيخ عبدالرحمن «انه شيخنا وهو من يؤثر علينا لا نحن».. طبعا هذا من باب حفظ المقامات والا فلا غنى لانسان عن مشورة الآخر، والتبصير وظيفة قيادية، وقد علق ضيف الله موجهاً كلامه الى الشيخ عبدالرحمن: لواقمتم لنا مثل هذه الدراسة لحولنا اولادنا جميعاً اليكم، وتعليقي ليس على الله ببعيد.

في المجلس تحدث الحاج سعيد عن فهمه لسن التكليف (حوالى الخامسة عشرة) فان الله حين فرض ذلك لم يكن عبثاً، ومهمة التربية والتعليم اعداد الطالب ليكون في هذه السن قادراً على انشاء اسرة وإعالتها وناضجاً بما يكفي لادارتها والخوض في شؤون وشجون المجتمع، واكد ان تجربة المدرسة حققت نجاحاً كبيراً في الوصول الى هذا الهدف وذلك بالاستفادة من عامل الزمن الذي يهدر عبثاً في التعليم العام والعامل الآخر هو اعداد المعلم الشامل الذي يلازم طلبته ملازمة الظل لصاحبه ليوجه مجمل حياتهم وليس فقط تلقينهم المعلومات، وقد أولى الحاج الذي يبلغ من العمر 84 عاماً عناية خاصة لتعليم الفتاة لأنها هي الاساس، وبدون الاساس لا يبنى بيت ولا ترتفع اعمدة.

وقد وعد الاخوان سالم صالح محمد وضيف الله شميلة وثنىَّ عليهما الشيخ عبدالرحمن العماد بتبني هذه التجربة الرائدة وتقديمها للمسؤولين في اليمن، حيث يرى الحاج لاسباب كثيرة عددها انها اصلح بلدٍ لتقديم نموذج حضاري يُعتد به ويقتدى.

وليس لديّ تعليق سوى القول: «ان وعد الحر دين» فقد تحدث الحاج عن زوار يأتون ويعجبون ثم يذهبون كأن لم يأتوا.

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s