أسئلة شائكة

هل ما برح الشعر حاجة إنسانية؟ وأية علاقة بينه وبين الهوية؟ وما الموقع الذي يحتله في عصر العولمة، وأين أصبحت العلاقة بين الشعر والجمهور؟

هذه الأسئلة الشائكة وإن بدت سهلة المرتقى لمن ليس خبيراً في متاهة “جحا” الشعرية، وضعها على نفسه “الملتقى الدولي الأول للشعر العربي” الذي أنهى أعماله في القاهرة يوم الثلاثاء الماضي، وأيا كانت الاجتهادات والدلاء التي أدلاها المشاركون في آبار الشعر الغزيرة والضحلة وما خرجوا به من ماء زلال او بقايا أوحال، فإن الحال سيظل على حاله، وتبقى الأسئلة معلقة على رقبة اللغة كسيف “ديمقليس” ذلك أن حال الشعر من حال الأمة، فإن كانت ناهضة نهض، وإن كانت منكبة على وجهها ركع بجانبها يبكيها كما يبكي يتيم أمه التي فارقته في ليلة باردة وهو مقطوع من شجرة. وليس أدل على حال الشعر من أن “الملتقى” قد جاء باقتراح من الروائي الراحل نجيب محفوظ بعد أن هاله حال الشعر والشعراء وما يعيشه ويعيشونه من اغتراب عن الناس، ذلك أن الشاعر يشبه السمكة فإذا غادر ماءه او أنكره وهو هنا المجتمع بمعناه العريض فليس أمامه سوى الموت اختناقاً.

أما السؤال عن ديمومة الاحتياج الإنساني للشعر، فهو من قبيل تحصيل الحاصل فمن الذي يجرؤ على إعلان “موت الشعر”، فيما القلوب والعواطف والأخيلة تفرزه كما يفرز النحل العسل دون أن يسأل عن الآكل والمأكول. قد يموت بعض الشعراء بالسكتة النظمية او بالاحتباس الحضاري او بالضحالة اللغوية، او بضعف المخيلة، ولكن الشعر لا يموت لأن المؤسسة العظمى للغة هي التي تتكلفه وتحفظه وتسربه الى جينات شعراء لم يولدوا بعد، ويكفي شاعر عظيم واحد في أية أمة لتحريك المياه الراكدة وإشعال الحرائق في الكلمات من أجل بدء عصر جديد.

بقية الأسئلة، يبدو أنها ولدت ميتة، أو أنها كتبت في الساعة الخامسة والعشرين على سلم المنتدى دفعا للعتب، فالسؤال عن علاقة الشعر بالجمهور قد أكل الدهر عليه وشرب وهو لا يقع في باب النظر التأملي فالجمهور يختار شعراءه ويزكيهم ورب أمسية تدافع الناس لحضورها ففاضت القاعة الى الشوارع وأخرى تندب حظها ويود شاعرها لو ابتلعته الأرض في الفراغ الذي حوله، ومع ذلك فإن متاع الشعر ليس بالضرورة متاع الجمهور. والشعر في معناه العميق ليس موجودا في القصيد حصراً، فالناس يجدونه في اللوحات والأفلام وفي الطبيعة وفي خلجاتهم وفي الوجوه المليحة التي قال بأبونواس عن أحدها:
يزيدك وجهها حسنا
إذا ما زدته نظر

ومما أعجبني ما أدلى به جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة في مصر حين وصف الشعر بأنه “معرفة وبحث عن المعنى في اللا معنى” ووصف الشاعر ب”الكائن ذي الأف وجه، وسارق النار” وصاحب الرؤى.
مبروك على “سراق النار” ونأمل ألاَّ يخلوها ظلمة”..

اترك تعليقًا