لي ذكريات مع فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، كقائد وطني ملهم، وزعيم عربي يشار اليه بالبنان، وكإنسان له لفتات لاتنسى تصدر عن نفس كريمة ورجولة حقة وتسامح يعلو على أي زهو بالسلطة طالما أفسد وأسقط زعامات كانت لها قامات فانحنت أمام شهوات السلطة حتى بلغت حضيض التاريخ، ولذلك يعتبر الحكماء السلطة محك الرجال في راياتها تنعقد موازينهم وفي أمجادها وأسلابها وانهيالاتها تتحدد أقدارهم عبر الزمن.
وكان أول لقاء لي مع الرئيس في ابوظبي خلال زيارته للإمارات عام 1987م وذلك في حرم السفارة اليمنية بحضور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- والذي كان يتعامل مع الأخ الرئيس كأنه واحد من ابنائه، وقد كنت موجوداً في آخر لقاء بين الزعيمين في قصر البحر في ابو ظبي وسمعت الشيخ يتوجه الى ولي عهده آنذاك الشيخ خليفة، رئيس الدولة حالياً قائلاً له : خليفة- هذا أخوك علي عبدالله صالح، اي طلبات له مستجابة وتحدث بسموه عن الشعب اليمني بكل محبة عندما طرح عليه فخامة الأخ الرئيس موضوعي التعليم والتطبيب لأبناء الجالية اليمنية قائلاً: كلهم أولادنا انهم مثل ابناء الامارات، وماهو لنا هو لهم، وكما يقال فقد «قطعت جهيزة قول كل خطيب» فبعد مثل هذا الكلام مامن كلام يقال. رحم الله الشيخ زايد الذي ظل على الدوام يردد: من ليس له أصل من اليمن فماهو بعربي، وفي المنهج الدراسي فان قبيلة بني ياس التي يرجع اليها آل نهيان هي من أحفاد «أزد عمان» بعد ان تفرق ايدي سبأ عقب انهيار سد مأرب.
نعود الى اللقاء الأول في حرم السفارة، حيث ألقيت قصيدة تحية للزعيمين العربيين ومما استشفيته من شخصية الرئيس ما انطقني:
يا مطلع الصبح أضواء وعاطفة
وقائد الشعب في الأفراح والمحن
«علي» ياناسجاً بالمجد بردتها
وغامراً جدبها بالعارض الهتن
زرعت بالحب زرعاً لانظير له
فكان أعظم ماسنيت من س
علوت بالشعب لا بالحكم تمسكه
وسدت بالعقل لا بالقيد والرسن
اذا نظرناك شاهدناك أنفسنا
كأنما أنت منا الروح في البدن
نعم نحبك من أعماق لهفتنا
كأنك الحلم نستبقيه في الوسن
لأنك الرمز نرجوه لوحدتنا
من سفح صنعاء حتى البحر في عدن
لأنك الغد نرجوه لصبيتنا
لأنك الأمن من طاغ ومفتتن
نعم نحبك ملء الفم نعلنها
نشد أزرك في سر وفي علن
ونستضيء بماترسيه من قيم
كانت لأسلافنا في غابر الزمن
من عهد بلقيس والشورى تتوجها
إلى بطولات سيف بن ذي يزن
إلى الألى حملوا الاسلام في دمهم
فأشرق النور في الأمصار والمدن
كان ذلك عام 1987م، وقد أوفى الرئيس عاشق الشعر بكل وعود القصيد، فتوحدت اليمن كما لم تتوحد في تاريخها كله، وساد الأمن والأمان واندحر المفتتنون الذين يبغونها عوجاً، واليوم يدخل الوطن مرحلة الانطلاق الحضاري والتنمية الواسعة التي ينبغي وينبغي وينبغي ان يقف الجميع فيها خلف الرئيس يشدون أزره «في سر وفي علن» فأي اختلاق لمعارك جانبية لامبرر لها ولا ضرورة، هو تعطيل أكان مقصوداً أم غير مقصود.
وتأتي زيارة الرئيس المنتظرة خلال أيام الى الامارات في هذا الإطار الوطني، العربي وفي اطار التكامل داخل الجزيرة العربية، وقد أخذ الآن بُعداً واقعياً جديداً يقوم على المصالح المشتركة، حيث تحوز اليمن فرصاً فريدة في مواردها الطبيعية ومناخاتها وطاقاتها السياحية.
لقد وجهت القيادة السياسية في الإمارات الدعوة لفخامة الأخ الرئيس تعبيراً عن هذا الأفق العروبي ومحبة لليمن وشعبه ووفاءً للقائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وصداقة حميمة امتدت لاكثر من ربع قرن بينه وبين فخامة الأخ الرئيس.
ولانريد هنا استباق نتائج الزيارة فكل أمر يأتي في أوانه، ولكن الدلائل جميعها تشير الى نجاح بارز، فالامارات كانت أحد انشط المشاركين في مؤتمر لندن للدول المانحة، ويبدو أننا امام نقلة نوعية في العلاقات تؤشر للعلاقة المستقبلية مع دول التعاون التي تعمل جاهدة لتأهيل اليمن للعضوية الكاملة.