يبدو ان حسين بدر الدين الحوثي أصبح من جماعة “خرج ولم يعد” بعد أن ركب رأسه ورأى أن التمرد على الدولة اليمنية سيختصر طريقه إلى المجد الذي تصوره وحلم به طويلاً، فجاءه الرد على طريقة “المعتصم” :”الجواب هو ما ترى لا ما تسمع”.
وككل المارقين بلا قضية الا خيلاء الذات وعظمتها المتورمة فقد قاد مجاميع من الشباب الى المحرقة وروع أمن منطقة كانت آمنة يأتيها رزقها رغداً، وهدد لوقت ما بإشعال فتنة مذهبية كان ينتظرها ويتوقعها، غافلاً عن التحولات التي جرت في الوعي الوطني وخاصة عقب توحيد اليمن عام 1990، ولذلك خابت كل توقعاته ووجد نفسه معزولاً مع حفنة من المغرر بهم في أعالي جبال مران التي لم تستطع أن تقدم له سوى الموت.
هو واحد من النماذج العدمية ممن يغص بهم عالم الأشباح العربي في أيامنا هذه يسيرون كالمجاذيب يحملون بأيديهم المسابح الطويلة، ويلبسون الهلاهيل المرقعة، ويدعون الناس بعيون زائفة وكلمات مبهمة للهجرة إلى الجبال ليشهدوا حفلات الموت المجّاني طريقاً إلى جنة يتخيلها المجانين ويكتوي بنارها المساكين وما هي إلا حفلات “زار” يجري فيها “غسل الأدمغة” على وقع طبول الكلمات واستحضار الجن والأرواح الشاردة. ومن الواضح أن الحوثي كان يستلهم أرواح بعض الأسلاف ومنهم إمام اليمن احمد بن يحيى حميد الدين الذي لبّس على الناس بجيوش الجن الناصرة له، وكان يسمّى “أحمد ياجناه” ومرة أخرى وقع “الحوثي” في الوهم والغلط حيث لم يستطع سبرغور الوعي الوطني والديني الجديد.
وما كان له إلا أن يقع في ذلك الوهم ويسقط في ذلك الخطأ، لأنه يعيش في الماضي، ويسكن في الغرف المغرقة في الظلام، ولما كان “الغرض مرض” فهو يفضل أن يتعفن داخل جلده على أن يراجع طبيباً أو يقرع باب مستشفى أو يسمح لأهله بأخذه إلى طبيب نفساني.
وقد اخذ على الدولة أنها غفلت عن هذه المجموعة طويلاً، بل إنها مدت لها يد العون في مرحلتها الأولى على أساس أنها تربي “الشباب المؤمن” على الاعتدال والفهم الصحيح للدين، فكانت بذلك كمن ” يربي الحنش في حضنه” ولا حجة لأمثال هؤلاء في النهج الديمقراطي، لأنهم -أساساً- ضد الديمقراطية ويعتبرونها نوعاً من الكفر، وإنما هم يركبون أمواجها ليقتلوا مختلف السابحين.
لقد فعلها السادات في مصر فأردوه قتيلاً، واحتضنت دول عربية كثيرة مشاريع الجهاد في افغانستان فارتدوا عليها، وتعاطف معهم مشرف وشركاؤه في باكستان فكادوا أن يحرقوه حياً لولا رحمة من الله، وفتحت لهم أمريكا أبوابها فحيوها بتحية أحسن منها في سبتمبر، وأتاحت لهم لندن الملاذ الآمن والعدالة الناجزة فأرّقوا منامها، كما استقبلتهم كندا فخطبوا يطالبونها بالجزية سفاهاً، وكفّروا كل هذه المجتمعات بلا علم ولا هدى، كأننا أمام طوفان من العته والجنون.
ولقد أحسنت الدولة اليمنية بحوارهم، فلم يكن لديهم مطلب يطلبونه سوى أن يستمروا على طريقتهم وفي غيّهم يعمهون، ثم أحسنت أكثر بإرسال لجنة موسعة برئاسة قطب بارز من المعارضة فكانت النتيجة “ما أشبه الليلة بالبارحة” ولكنها فتحت باباً للتراجع أمام (بعض) المعارضة التي أرادت التريح من الأزمة، الأمر الذي جعلهم يسقطون في نظر اكثرية الشعب.
وبقدر ما كانت فكرة الحوار التي اقرها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح سلاحاً فعالاً لتقويض الفكر المتلبس المتماهي مع الدين، ولكشف طبيعة الرأس المدبر المختفي وراء التضليل والمذهبية والطائفية بمعانيها المرذولة وليس الايجابية، وبقدر ما كانت دهاءً من الدولة لتنوير الرأي العام والمعارضة ودول الجوار والعالم، فقد أعذر من أنذر.. لقد ذهبت الفكرة والمفكر الى مصيرهما المحتوم، أما السلاح فقد جابهه السلاح فلا يفل الحديد إلاّ الحديد، وسواءً تم القبض على الحوثي او قتل او تشرد في الجبال فقد خرج ولن يعود.