أحزان عمّان (27) (لئن تصل متأخراً)

ماذا أكتب وقد أزف المغيب، وأسبلت الشمس أجفانها، وأخذت (عمّان) تتبرّج في ليلها الخريفي الناعم، وأنسامها اللطيفة البليلة. طبعاً ليس الحق على (الطليان) كما يقول أهلنا في (لبنان)، وليس الحق عليّ أنا الغارق في أحزاني وأشجاني وما من صلة بين وبين القرّاء سوى هذه الزاوية اليتيمة، أحمّلها بعض همومي، وأبثّها شجوني، وأشق بها طريقي إلى قلوب الناس الذين طالما كانوا ملء السمع والبصر، وكان منهم الجليس والأنيس والصاحب والصديق. هل أقول إن الحق أنني لم أكتب هذه الزاوية حتى أسدل الليل ستار الظلام، وأصبحت معرّضاً للوم أخي وزميلي (وليد المشنوق) الحريص دائماً على إغلاق صفحة (قضايا ودراسات) مبكراً، وكل أبوابه التي يحرص على إغلاقها مبكراً لا تأتيها الريح إلا من كتاب الأعمدة ينتظرون هبوط الوحي، وهو لا يستطيع سدّها فيستريح كما يقول المثل، ولا يستطيع إبقاءها “سداح مداح”، فيظل على أعصابه. أقول إن الحق يقع على زميلي وصديقي مدر مكتبا في (عمّان) الأستاذ (محمد الخطايبة) فقد اعتاد على تذكيري في وقت مبكر، ولكنه نسيني أو أنسيني هذا اليوم، وله الحق في ذلك، فللضيف ثلاثة أيام في عُرف العرب، أما أنا فأكاد أدخل في الشهر الثالث ولم “أعثر لي على صاحب” أمسك بخناقه “يا قاتل يا مقتول” أجرنا الله تعالى جميعاً من مثل هذا الحال والمآل. ومع ذلك أقول أنني على ندرة الأصدقاء في الزمن العصيب، كأنهم من فصيلة “الغول والعنقاء والخل والوفي” إلا أن (الخاطيبة) استثناء واستثناءٌ جداً.

تلقيت اليوم في الصباح إتصالاً كريماً من سعادة الأستاذ (ضيف الله شميلة) سفير الجمهورية اليمنية في الإمارات، بلغني فيه تحيات الرئيس (علي عبدالله صالح) وتحياته شخصياً وتمنياته لزوجتي بالشفاء، وربما كان هذا الإتصال الذي يحمل من المعاني أكثر مما يحتمل شخصي الضعيف في مثل وضعي المرتبك، هو الذي حملني إلى أفق من السمو الروحي والأخلاقي، جعلني أنسى كتابة عمودي. أمّا الإتصال الآخر فكان من صديقي الأعز الأستاذ (قاسم الشرفي)، ولست في حاجة إلى القول كم من الفضائل يستطيع كرام الناس أن يفعلوها بمجرد الكلمة الطيبة والأمنية الصادقة. وأخيراً كتبت زاويتي (فلئن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً).

اترك تعليقًا