لكي تفهم لبنان جيداً عليك أن تضع نفسك في مناخ (البزنس)، بما يستتبع ذلك من أحاديث وعلاقات ومعلومات وآمال وتمنيات، وليس هناك ثمة من حواجز أو موانع أو فروقات بين الأيديولوجيا على سبيل المثال و (البزنس)، بين المعرفة على (الماشي) و (البزنس)، بين الحديث عن حرب أو رخاء وما يخلقه كلاهما من فرص للـ (بزنس).
اللبناني بطبيعته في داخل رأسه (كمبيوتر) يعمل في الجمع والضرب ليل نهار، وهو بطبيعته أيضاً مرن جداً يستطيع الانتقال من عمل إلى آخر بسهولة إذا ما لاحت فرص أفضل. إنه جاهز للفرصة دائماً، ولا يترك نفسه للمصادفات والمفاجآت، لذلك تجده آخر (شياكة)، عيونه مفتّحة، وأذنه واعية ملتقطة، يصغي إليك باهتمام، ويحرص تماماً على معرفة مواهبك واتجاهات تفكيرك. في داخل كل لبناني مشروع في طور الاختمار، أو في طور البناء، أو في مشارف الإنجاز، وينطبق ذلك على (الستات) اللواتي يتصدرن اليوم عالم (البزنس)، ويتفوقن على الرجال أحايين كثيرة.
الست (وردة) – وهي إسمٌ على مسمّى – تعرفت إليها عن كثب بواسطة أحد الأصدقاء، شخصية قوية، ودودة، لماحة، كانت عضواً فاعلاً في (الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين)، قبل أن تتجه إلى عالم (البزنس) وتهاجر إلى (أفريقيا)، ثم تعود إلى (بيروت) وتفتتح مطعماً متميزاً في منطقة (الحمراء) مع صديقتين لها، وهي تسهر عليه ليل نهار، وتديره إدارة منزلية راقية.
وزوج الست (وردة) – واسمه (علي) – كان عضواً فاعلاً في قوّات (المردة) التابعة لـ (آل شمعون)، ويقول إنه انتمى إليها عن قناعة، وقد أخذ يحدثني عن (عدن) كأنه من سكانها، ثم اكتشفت أنه لم يزرها، وإنما هو يجمع المعلومات تمهيداً لمشروع (بزنس) لفتح محل حلويات، يتوقع أن يدرّ عليه دخلاً جيداً. وابنة الست (وردة) – من زواج سابق – (سُعدى العبدالله)، عضو في منظمة (العمل الشيوعي اللبناني)، وتعمل مراسلة تلفزيونية، علماً بأن الجميع ينتمون إلى الطائفة الشيعيّة في جنوب لبنان، ولكنهم مثال للبنان التعددية والحوار وتقبل الآخر المختلف، والوقوف صفاً واحداً على أرضية (البزنس) التي توحّد اللغات، وتدمج الأيديولوجيات، وتجعل من مختلف الألوان توافقاً لا تنافراً.
لن أنسى ذلك الزعيم الكبير الذي كان ذات يوم تروتسكياً، أي على يسار الشيوعيين، وكيف انتصبت أذناه عندما التقطتا حديثاً على المائدة عن صفقة عقارية، وكيف استدعى من ذاكرته جميع (الكبار) الذين يعرفهم، عارضاً خدماته… في عالم (البزنس). ما من شيء معيب، فالأيديولوجيا شيء و(البزنس) شيء آخر، أو إذا قصدنا الحقيقة المجردة فإنهما وجهان لعملة واحدة، لذلك تأكد أنك لن تجد زعيماً لبنانياً مفلساً أو غير مهندم.