السفر في مسيرة الحياة

يبدو أن المرح والفرح والضحك والإبتسامات وأجواء الدعابة وخفة الروح والنكتة البريئة هي الباعث الأول على التواصل بين الناس وكسر الحواجز النفسية والفروقات الاجتماعية والثقافية، وحتى تلك الناتجة عن فروقات العمر والخبرة، ويمكن اعتبار المرح بهذا المعنى نقاهة حقيقية من الكآبة والإنغلاق والأمراض الوظيفية، وهو سفرٌ آخر جميل داخل السفر الأصلي، كأنك تطير مع أصحابك على بساط الريح، تتعلمون كل يوم أشياء جديدة، وتكتسبون خبرات لطيفة. السفر في مسيرة الحياة مثل الطفولة في مسيرة العمر: محطة خيال… ينبوع أحلام… فراشات ملونة… مدن تملؤها الدهشة… أضواء جديدة… وجوه حلوة تحت أضواء الشموع… صباحات لم نتعرف إليها من قبل… ومساءات مليئة بالوعود.

رفقة السفر أيضاً مثل رفقة الدراسة، تبقى في الذاكرة متوهّجة، وفي القلب حميمة، وفي العين مُبهجة. فإذا شبّهنا الإنسان ببئر غاض ماؤها أو كاد، فإن السفر كالأمطار، تُجدّد مخزونك الجمالي، وترفده بمياه جديدة عذبة وصافية، في الوقت الذي تغسِلك فيه من تراكمات التعب، ووجع المعاناة، وتراب التكرار والضجر، الدوران حول طاحونة الحياة وأنت مغمض العينين.

حقاً إن “الناس وحوشٌ حتى يتعارفوا”، عندئذ تتحرك الأقنعة ليبدو وجه الإنسان على حقيقته، يخرج الطفل من داخل الإنسان الوحشي ليقول له: “حرامٌ عليك… أطلق سراحي… كل شيء حواليك جديد إلاّ أنت”، يفتح الناس قلوبهم لبعضهم، يكتشفون أنهم متشابهون، الأقنعة هي التي تكذب وتتبجح، وتتفاخر، وتتظاهر، أما الجوهر فمتشابه ومتقارب.

سكان القصور وسكان الأكواخ، جميعاً يُبحرون في مركب كبير إسمه الحياة، أعمارهم تتقاصر دون أن يستطيع أيّ منهم شراء يوم إضافي واحد لنفسه، جميعهم يخسرون من يحبون ويخضعون لقانون الألم، ويشعرون بالخوف، وتزورهم الكوابيس، ويحلمون بغدٍ أفضل، وبدنيا جديدة تجعلهم أكثر إنسانية وأكثر اطمئناناً.

سافر… حطّم أقنعتك قبل أن تدلف إلى المطار، إرم هذه التكشيرة بعيداً… دع التعصّب… تعلّم حكمة البساطة، وفضيلة التواضع، وكرم الروح… إضحك، تضحك لك الدنيا.

اترك تعليقًا