هل نحن أمة عربية واحدة؟

هل نحن أمة عربية بالإسم فقط أم نحن أمة في نسيج لا يمكن تفكيكه؟ هذا السؤال على بداهته يستدعي صوراً متعددة متآلفة ومتنافرة مما يجري في واقعنا. والإجابة عليه بدقة ووضوح ورؤية معاصرة تمهد الطريق أمام صناع القرارات لحسم خيارات كثيرة في السياسة والتنمية والتعليم وبناء الحضارة.

البديهية الأولى أن الأمة ليست فكرة تُخترع، أو عقيدة تُصطنع، أو تحالفاً آنياً يُبتدع، وإنما هي إحدى الحقائق الإنسانية الكبرى التي تختمر وتتبلور وتكتسب ملامحها وهويتها وثقافتها عبر مئات السنين وعبر صراع طويل يشارك فيه التاريخ والجغرافيا والهجرات البشرية والحوار الحضاري وتجسّده العقيدة والثقافة ووعي الناس بمصيرهم المشترك.

البديهية الثانية هي أن مفهوم الأمة يتجسد في حضور هائل في بنية الأفراد والمجتمعات يشبه جبل المغناطيس الذي يجتذب ملايين المفردات ضمن محيط معروف وبيئة موصوفة وثقافة منطوقة وبالتالي فإن الخروج عن قوة الجذب الهائلة هذه هو خروج إلى الفراغ وإلى الضياع الحضاري والتغرّب مع ما يصحب مثل ذلك الخروج من آلام ومعاناة تشبه انتزاع الظفر السليم من جسد حي.

البديهية الثالثة هي أن الأمة كالجسد الحي فعلاً لا ينجو عضوٌ من أعضائه من أي انتكاسة تلم به، وإن بدا لحين أن تلك الإصابة تخص عضواً معيناً موصوفاً، إلا أن أداء الجسد الواحد يتراخى ويهبط، وسبيل انتقال المرض وتفشيه واستحكامه لا تحده حدود ولا تمنعه موانع.

البديهية الرابعة هي أن الوعي في عالمنا هذا وفي عصرنا هذا هو أعظم مدرك للوقاية، وأكبر عامل للعلاج، وهو المجسد للفعل الإنساني في مواجهة عوامل التصدّع والتجهيل وتغليب المصالح الضيقة والآنية، وهذا الوعي لا بد له أن يتجسد في نخبة من المفكرين والسياسيين والمشتغلين بالأمور العامة، ولا يكفي أن يكونوا وعياً للنظر ومنطقاً للمحاججة وإنما لا بد له ليكون فاعلاً أن يتحول إلى منهج للعمل وخطط للتطبيق وإدراك مسئول للمخاطر، وإنذار مبكر بعواقب تتابع الزمن دون عمل ودون جهد، إلى جانب استشعار عميق للآخر الحضاري في حركته وفي تطوّره وفي إبداعه وفي تحديده لمصالحه.

إن ما يجمع الأمة الواحدة هو بالتأكيد أكثر بأَضعاف مما يفرّقها، وإلا لما كان لها أن تسمى أمة، كما أن مصلحتها المشتركة على المدى البعيد – وكما أثبتت ذلك كل أدوار الحضارة – تفوق وتجبّ أي مصالح آنية جزئية مهما بدت مغرية وجذابة.

أمتنا ليست استثناء بين الأمم وينبغي أن يعمل صحيحها على الأخذ بيد مريضها لأن الجميع في قارب واحد يبحر في محيط عاصف وإن كان لكل واحد غرفته الخاصة وأسلوب معيشته الخاص وشرفته التي يطل منها على العالم.

إن الأحداث الكبرى التي مرت بنا وتمر تدق على أبوابنا جميعاً وتنذرنا في منامنا وصحونا، وليس أمامنا سوى أن نضع أيدينا معاً وفقاً لوصية جدنا القائل:

كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسّرت أفرادا

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s