ألف شخص، من مُهندسين وخُبراء بيئة ووزراء ومسؤولين محلِّيِّين بدأوا أمس في اسطنبول بتُركيا مُنتدىً عالمياً للسعي إلى إيجاد الحُلول لأزمة المياه العالمية الناجمة في الأساس عن ارتفاعٍ هائلٍ للطلب على هذه السلعة الحيوية، وسيُشارك في المُنتدى، الذي ينعقد كُلّ ثلاث سنوات، خمسة عشر رئيس دولةٍ وينتهي الأحد المُقبل باجتماعٍ وزاريٍّ تُمثِّل فيه أكثر من مائة دولة.
معنى ذلك أنَّ سكاكين الماء قد حزَّت العظام، ولم تَعُدْ مُجرَّد سنانٍ ناشبةٍ في اللَّحم، وعلى كُلِّ بلد – وهُنا أقصدُ اليمن تحديداً – أن يتحسَّب لأجيالٍ قادمةٍ قد لا تتوفَّر لها رشفة ماء، وإلى مُدنٍ هي اليوم عامرةٌ بِكَرَم الرحمن، لكنَّها في الغد قد تُصبح قاحلةً طاردةً للسُّكَّان، وبالذات العاصمة صنعاء، التي وصل خطر مخزون واديها المُتناقص إلى درجةٍ مُنذرةٍ لا تحتمل أيَّة مُعالجةٍ جُزئيةٍ أو تأخيرٍ في النظر إلى جوفها وما يُعانيه من نزفٍ لا يتمّ تعويضه، وفيما السُّكَّان يتزايدون، فإنَّ المياه تتناقص، وتلك قسمةٌ ضيزى بين الإنسان واحتياجاته وبين الأمطار التي لا تزورنا إلاَّ لماماً ويذهب أكثرها هدراً.
هذا ونحنُ لا نتحدَّث عن الزراعة واحتياجاتها ودورة الغذاء الذي يبدأ بالماء وينتهي به، وقد أرَّقني تصريحٌ أو إنذارٌ – لا أتذكَّرُ مَنْ أطلقه قبل أيَّام – من أنَّ حوض صنعاء سينضب تماماً في حُدود عام 2020، إذا لم تخُنِّي الذاكرة، أو عام 2050، إذا توسَّعتُ في الأمل بالأمان من الجائحة ثلاثين عاماً إضافية، وفي كُلِّ الأحوال وبالحسابات المُستقبلية، فإنَّ العشرين أو الثلاثين عاماً تمضي كَلَمْح البصر، ولن تكون أبداً زمناً للَّهو وتبديد الوقت ووضع الجُهد في غير محلِّه، فثمَّة أولوياتٌ تسبق غيرها، والماء على رأس كُلّ الأولويات، ونُريد من حُكومتنا المُوقَّرة أن تُفكِّر بصوتٍ جهيرٍ وتُسمعنا عن خُططها وإجراءاتها وتداعيها مع العالم الذي يرتجف خوفاً من أزمة المياه بدلاً عن الأخبار التي تحملها إلينا المواقع الإلكترونية عن فُلان، الذي تلاسن مع فُلان ووصلا إلى حدِّ التلاكم – يا عيباه – مع أنَّ العُهدة على الراوي، لكن – كما يُقال – «ما فيش دُخان من غير نار».
للقارئ العزيز أسوقُ بعض المعلومات المُوثَّقة عن الماء والعالم والإنسان في ما يلي :
– (79%) من مياه الأمطار تسقط في المُحيطات، و(2%) في البُحيرات، و(19%) – فقط – على اليابسة.
– تستهلك الزراعة (70%) من الماء، وقد ترتفع هذه الحصَّة إلى (90%) إن لم يَجْرِ تحسينٌ كبيرٌ في أنظمة الريّ.
– الصناعات تستهلك (20%) من المياه، مُقابل (10%) – فقط – للاستخدامات المنزلية.
– يزداد سُكَّان العالم سنوياً بنحو (80) مليوناً، الأمر الذي يتوقَّع معه ازدياد الطلب على الماء سنوياً بمقدار (46) مليار مترٍ مُكعَّب.
– عمليات السحب من خزَّانات المياه الجوفية تضاعفت خمس مرَّاتٍ في القرن العشرين.
– في عام 2030 سيعيش (47%) من سُكَّان العالم في مناطق خاضعةٍ لضُغوطٍ مائيةٍ كبيرة.
} في أفريقيا من المُحتمل أن يتعرَّض ما بين (57) مليوناً و(250) مليوناً لضُغوطٍ مُتزايدةٍ في مجال المياه بفعل التغيُّر المناخي.
لنستمع إلى «لُويك فُوشون»، رئيس المجلس العالمي للمياه، ومُنظِّم مُنتدى اسطنبول، حيثُ يقول : «إنَّ زمن الحُصول على المياه بسُهولةٍ قد ولَّى»، مُشيراً إلى أنَّ العالم خلال الخمسين عاماً الماضية ركَّز دوماً على توفير المزيد من المياه، وعليه الآن أن يدخل في سياسات ضبط الطلب.
وذكَّر بأنَّ بعض المُدن الأمريكية يستهلك الفرد فيها حتَّى (1000) لترٍ يومياً مُقابل بضعة لتراتٍ في عددٍ من البُلدان الأفريقية، كما أشار إلى أنَّ (80%) من الأمراض في البُلدان النامية، مثل الإسهال والكُوليرا وغيرها، مُرتبطةٌ بالمياه.