المتابع لما يجري في الساحة العربية عموماً وفي الفلسطينية خصوصاً يكتشف ببساطة ودون عناء تدهور الأداء السياسي وترديه في نوع من اللجاجة والفجاجة وانعدام المعنى وغياب المقدرة على استخدام الأوراق المتاحة والفرص التي تلوح بين الحين والآخر، ذلك أن السياسة التي هي فن تحقيق الممكن هي عملية تراكمية يتحول فيها الكم إلى كيف عند درجة معينة، ومن لا يفهم في السياسة ومفاعيلها يتهيأ له أنه سيصل إلى هدف بالاعلان عنه وهذا محض ضلالة فأنت تستطيع أن تتحدث عن قمة الجبل كما تشاء ولكنك لن تطأها إلا إذا صعدت الوهاد والنجاد وقاومت قوة الجاذبية وبذلت الجهد الجهيد في تسلق الصخور وتجنب المزالق والتحايل على المخانق والصبر للرياح الصرصر والحر والقر لأن للسياسة مواسم حيناً تكون مقبلة وآنا تكون مدبرة لذلك فالداهية من الساسة هو من يستطيع الإحاطة بالموقف وتقدير خطاه قبل بدء السير ثم حشد كل ما هو ايجابي وفعال إلى جانبه والحد من كل ما هو سلبي ومعيق، وفي سبيل الهدف النهائي يخوض في تحالفات ويقدم بعض التنازلات التي لا تصيبه في مقتل، ذلك أن السياسة كرقصة التانجو تحتاج إلى اثنين أي أنها أخذ وعطاء والحرب دائماً كحل أخير هي السياسة بصيغة أخرى كما يقول كارل فون كلارزفيش صاحب كتاب “عن الحرب” فبعد كل حرب طاولة مفاوضات ومن أحرق أوراقه خلال الحرب عاد إلى أهله بالرماد. لقد افتقدنا الدهاء السياسي أو بدلنا به بفعل فاعل بالمفاخرة الرعناء والمعايرة الشوهاء كما استبدلنا الكياسة بالنياح وقد قيل قديماً أن الكلب الذي ينبح لا يعض، طبعاً الدهاء يحتاج إلى قيادة واحدة لا إلى عشر قيادات ومن ينصت إلى فصائل غزة يظنها الحلفاء أو دول المحور فمع كل صاروخ عشرة بيانات ودرزن اتهامات، باختصار سياسة المواجهة مع العدو “فضيحة بجلال” فحماس ومحاربوها يشنون الحملات ضد مصر وكأنها العدو، فيخسرونها ويضعونها في خندق لا تريد نفسها فيه وكان ينبغي تقدير ظروف كل بلد ومعاهداته وعلاقاته، فالعاقل لا يرغم أحداً على صداقته ويأخذ بالظاهر الذي يساعده ويغض النظر عن الباطن الذي يعتقده، كما أنه لا يشتت ذهنه ويستكثر الأعداء، ويستعدي الأقرباء، فالقول أن السلطة الوطنية تشارك اسرائيل في ضرب غزة بتقديم المعلومات الاستخباراتية فيه تجاوز كبير وهو إن دل على شيء فيدل على الفجور في العداوة وهي من أسباب الانهيار والهزائم، كما أن اتهام بعض الأطراف حصراً لحماس بأنها من جلب الدمار وبدأ الحرب فيه إغضاء عن السياسة الثابتة لإسرائيل التي تدمر الفلسطينيين بمنهجية لا هوادة فيها منذ عام 1948م. وإذا كان مفهوماً الموقف الأمريكي المتحيز والذي أعطى الضوء الأخضر لتل أبيب فليس مفهوماً أن لا تتعالى دول عربية وتسمو على الجراح إن وجدت وعلى أساس أن هذا وقت للوحدة لا وقت للتشتت، في حرب 2006م في لبنان والتي سجلت فيها المقاومة بطولات لا يرقى إليها الشك إلا أن موازين القوى وغياب الإجماع الداخلي قد أدى عملياً إلى فرض شريط حدودي منزوع السلاح وإبعاد إسرائيل عن مرمى الصواريخ وأسس لآلية جديدة، تغيير قواعد اللعبة أصبح فيها المجتمع الدولي ممثلاً في قوة حفظ السلام حامياً لحدود إسرائيل ويبدو أن سيناريو مشابهاً وربما أكثر قسوة سيطبق في غزة التي ستخرج مدمرة دون تحقيق شيء ملموس لذلك لا بد من العودة إلى الوقائع الصلبة والثوابت الوطنية التي كانت في صلب مسيرة الكفاح، وحدة البندقية الفلسطينية والقيادة الموحدة وتحشيد الشعب وتنظيمه لأداء مختلف فعاليات النضال وفي مقدمتها السلمي الذي يكسب احترام الرأي العام العالمي، مع عدم الارتهان للخلافات الإقليمية التي تقود إلى محرقة لا شك فيها.