ملحٌ هنديٌ على جرحٍ خليجيٍ

تقف دول الخليج العربية في حيرة شديدة أمام الاختلال الفاضح في تركيبتها السكانية لمصلحة المهاجرين من شتى دول العالم وخصوصاً من شبه القارة الهندية، وقد تشكلت لجان وعقدت ندوات وأديرت مؤتمرات حول تسرب الهوية الثقافية لهذه البلدان بسبب الغلبة للعنصر الوافد والذي تتراوح أعداده بين الـ60% والـ80% فما فوق، ولكن هذا الحراك -الذي يعود إلى عدة عقود, حيث المسألة كانت واضحة وضوح الشمس منذ وقت مبكر- لم يؤد إلى أية قرارات فاعلة وظل الأمر يدور ويدور كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحينا،ً حتى ليبلغ في النظر المجرد والتصريحات الصحفية ذروة توحي بالحل والحلحلة، ولكن على مستوى الواقع يلبث أن يعود إلى نقطة الصفر، وكان الأمر في السابق محاولات لإيجاد توازن من نوع ما حتى يمكن على الأقل رؤية الكندورة والعقال في الشوارع المزدحمة بالأجانب. أما الآن فقد أخذ الأمر منحى آخر بعد أن صرح مندوب الهند إلى مؤتمر الحوار الأمني في البحرين الذي حضرته شخصيات دولية بارزة وناقش كل ما يتصل بأمن المنطقة من أنه ينبغي على دول الخليج أن تمنح العمالة الهندية حقوقاً قانونية ذات صلة بالتجنيس وخوض معترك الاستحقاقات الديمقراطية المنتظرة والتي تنضج على نار هادئة وأحياناً عالية اللهيب في عواصم عالمية وضمن منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان وهو ما ذكر المراقبين الخليجيين بمصير جزر المالديف التي حكمها المهاجرون الهنود بعد أن تمت لهم الغلبة السكانية والتمكن الاقتصادي والتجذر القانوني، وقد قال مندوب الهند وهو يفجر قنبلة في المؤتمر إنه يعبر عن رأي رئيس جمهورية الهند منهياً بذلك الرهان الساذج على أن العمالة الهندية عابرة وبريئة وبأنها ملح الأرض الخليجية، ولم يتنبه أصحاب وجهة النظر هذه إلى التطورات الكبرى في الهند التي تسير بها إلى مصاف الدول العظمى اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، وأنها حين تستكمل عوامل قوتها ستستطلع مجالها الحيوي ومحيطها القريب ولتستثمر جهود أبنائها وتدعمهم في مطالبهم المعقولة وغير المعقولة، وهكذا فإن الحذر يؤتى من مأمنه، وتشير أيضاً إلى أن الإعلام الغربي أصبح يشن الهجوم تلو الهجوم على هذه الدول إذا ما جرى تسريح أي من العمالة الغربية منها، فالدول الغربية التي تمر بضائقة مالية وبطالة تريد أن تأخذ نصيبها من عائدات البترول تحت أي عنوان، والقادمون من الغرب على وجه الخصوص يحصلون على رواتب فلكية ومميزات لا يأخذها حتى رؤساء دولهم بحجة أنهم تركوا بلدانهم الغنية وأنهم لم يأتوا إلى خليجنا للعيش وإنما جاءوا لترفيه الحياة، وإدارة المهام المعقدة، ومع أن عدداً قليلاً منهم قد أثبت كفاءة إلا أن الأغلبية الساحقة ثبت بالتجربة أنهم من نوع “سارق المهنة” الذي يشبه المزين الذي يتعلم الحلاقة برؤوس الناس الذين يقعون في الفخاخ.

وكما هي العادة فإن القطاع الصحفي كان الأكثر تحسساً بالمخاطر وبالدعوات المشبوهة التي تشبه المريب الذي يكاد يقول “خذوني”, يقول الأستاذ عادل الراشد في عموده “من المجالس” في جريدة الإمارات اليوم: تمسكن حتى تمكن، هذا هو حال الموقف الرسمي الهندي من وضع العمالة الهندية في الخليج، فقد قفز مندوب الحكومة الهندية في حوار المنامة من مرحلة المطالبة بالحقوق الوظيفية التي استمر العزف عليها في السنوات القليلة الماضية إلى المطالبة بالحقوق السياسية والذهاب إلى أبعد من ذلك باستخدام الرئيس المنتخب باراك أوباما كوسيلة إيضاح لا تحتمل الاختلاف في التفسير، والمغزى واضح، وكان قائد عام شرطة دبي ضاحي خلفان قد رفع عقيرته بالتنبيه إلى الخطر في مؤتمر الهوية الوطنية فقال: أخشى أن نكسب العمارات ونفقد الإمارات، مشيراً إلى أنه إذا استمر الحال على هذا النحو من التدهور السكاني فليس ببعيد اليوم الذي يصل فيه إلى سدة الحكم “بابو” أو “كريشنا”، ومن الواضح أن الأمر لا يمكن حله بمعالجات جزئية، ذلك أن الخليج وهويته وثقافته يرتبط بالمحيط العربي وليس بالمحيط الهندي، وأي أوهام حول الخطر العربي إنما هي من صنع بعض المصالح الضيقة والنصائح المغرضة ممن لا يريدون للعرب خيرا،ً ونخشى أن يأتي يوم نبكي فيه على الأندلس الخليجي كما نبكي على الأندلس القديم، مذكرين بالمثل “ما قيمة أن تربح العالم وتخسر نفسك” وسامحونا.

اترك تعليقًا