عام يذهب.. عام يأتي

تمر الأيام والسنون والعقود ويتسرب العمر من بين أصابعنا كمياه البحر من يد القابض عليها، البحر غزير وعميق وممتد كالحياة التي تحتضن جيلاً بعد جيل, وإلى ما شاء الله والإنسان أشبه بقطرة تتألق تحت وهج الشمس كزمردة, ثم لا تلبث أن تتبخر قبل أن تدرك كينونتها, ودون أن ترى مآلها مع أنها تحلم كاليقظى أو تستيقظ كالحالمة على وعد “أمان عذاب” ثم تتردى في مهاو تنعقد فيها النفس على الحسرة وتتلبس السراب حتى إن كان صاحبها يرفل في الحرير ويستمزج السلسبيل، ذلك أن المعاناة والمكابدة والخسارات الحارقة في الأهل والولد والصداقات والأموال وخيانات الأفكار وعثرات الدنيا، والحسن الذي يحول ويتغضن كغصن أسود كان متعة للنظر ونعمة للمس وتاجاً لجمال الروض, ثم جف نسغه وجناه الموسم وأوجس به الموت, فأصفر بعد اخضرار وقسى بعد لين واضمحلت رائحة الحياة فيه بعد فوح، أقول إن هذه المعاناة والمكابدة والخسارات والتحولات والتبدلات هي صناعة الحياة الحقيقية وقانونها الأول منذ الولادة القهرية المفارقة للطمأنينة والرزق الحسن في رحم الأم, وحتى خصف الأشواك بالأيدي العارية للوصول إلى ثمرة قد تكون ناضجة فنسعد بها الى حين، وقد تكون فجة مذاقها كالحصرم فنتبلغ غصباً بها لأن شيئاً أحسن من لا شيء. وما قصة القصور والأكواخ والجوخ والأسمال والتصعير في الأرض والسير عليها هوناً سوى هذه الدراما, حيث السعيد من خرج من على خشبة المسرح لا له ولا عليه (ربنا آتنا رزقنا كفاف يومنا) وحيث الأنقياء من الناس يرددون مع المتنبي رغبته الحارقة الشفافة للتزود بشيء من مرأى الحسن متاح قبل أن يهيل الزمن عليه ترابه.
زودينا من حسن وجهك ما
دام فإن الجمال حال تحول
وصلينا نصلك في هذه الدنيا
فإن المقام فيها قليل
لقد تعذب شعراء كثيرون في محاولات القبض على كنه الجمال وسر روائه وعظمة إلهاماته وتجلياته النورانية وأسراره البهية فلم يخرجوا بطائل سوى متعة رحلة البحث فنفضوا أيديهم منه كما نفض المتنبي يديه من الحياة ومتاعها:
عرف الناس قبلنا ذا الزمانا
وعناهم من أمره ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه
وإن سَر بعضهم أحياناً
ومتاع الحياة أحقر من أن
نتعادى فيه وأن نتفانى
وبعد المتنبي وصل المعري إلى إزاحة قناع الحياة المرعب الذي صوره أبو العتاهية بقوله: (لدوا للموت وابنوا للخراب) ولكن رهين المحبسين ساوى كفتي الميزان لكي يرتاح ويزيح ليقول: إن الإنسان ما بين ضلالة المنى وكلالة الجنى هو الضائع الأكبر علم أم لم يعلم:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شادي
وسواء صوت البشير إذا قيس
بصوت النعي في كل ناد
صاح هذي قبورنا تملأ الأرض
فأين القبور من عهد عاد
سر إن استطعت في الهواء رويدا
لا اختيالاً على رفاة العباد
وقد أخذ عن المعري هذا المعنى عمر الخيام بترجمة أحمد رامي, ولكنه منحه لمسة جمالية فائقة ومجسدة, حيث استنبت الجمال الراحل وإن كان في عمق الثرى:
فامش الهوينى إن هذا الثرى
من أعين فاتنة الإحورار
اليوم نودع عاماً هجريا,ً وبعد 3 أيام نودع عاماً ميلادياً, بليت أوراقه وتساقطت نجومه, ونستقبل آخر بكل أحلامنا الساذجة وتطلعاتنا الطفولية البريئة وانتظارنا لما يأتي ولا يأتي من وراء سجف الغيب وديدننا وتميمتنا:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الامل
وكل عام وأنتم بخير بأفواه مرزوقة وأمان ملحوقة ووطن سعيد لا متربص ولا بليد, بصره حديد, وسمعه شديد, وعدله مديد .. دمتم.
تمر الأيام والسنون والعقود ويتسرب العمر من بين أصابعنا كمياه البحر من يد القابض عليها، البحر غزير وعميق وممتد كالحياة التي تحتضن جيلاً بعد جيل, وإلى ما شاء الله والإنسان أشبه بقطرة تتألق تحت وهج الشمس كزمردة, ثم لا تلبث أن تتبخر قبل أن تدرك كينونتها, ودون أن ترى مآلها مع أنها تحلم كاليقظى أو تستيقظ كالحالمة على وعد “أمان عذاب” ثم تتردى في مهاو تنعقد فيها النفس على الحسرة وتتلبس السراب حتى إن كان صاحبها يرفل في الحرير ويستمزج السلسبيل، ذلك أن المعاناة والمكابدة والخسارات الحارقة في الأهل والولد والصداقات والأموال وخيانات الأفكار وعثرات الدنيا، والحسن الذي يحول ويتغضن كغصن أسود كان متعة للنظر ونعمة للمس وتاجاً لجمال الروض, ثم جف نسغه وجناه الموسم وأوجس به الموت, فأصفر بعد اخضرار وقسى بعد لين واضمحلت رائحة الحياة فيه بعد فوح، أقول إن هذه المعاناة والمكابدة والخسارات والتحولات والتبدلات هي صناعة الحياة الحقيقية وقانونها الأول منذ الولادة القهرية المفارقة للطمأنينة والرزق الحسن في رحم الأم, وحتى خصف الأشواك بالأيدي العارية للوصول إلى ثمرة قد تكون ناضجة فنسعد بها الى حين، وقد تكون فجة مذاقها كالحصرم فنتبلغ غصباً بها لأن شيئاً أحسن من لا شيء. وما قصة القصور والأكواخ والجوخ والأسمال والتصعير في الأرض والسير عليها هوناً سوى هذه الدراما, حيث السعيد من خرج من على خشبة المسرح لا له ولا عليه (ربنا آتنا رزقنا كفاف يومنا) وحيث الأنقياء من الناس يرددون مع المتنبي رغبته الحارقة الشفافة للتزود بشيء من مرأى الحسن متاح قبل أن يهيل الزمن عليه ترابه.
زودينا من حسن وجهك ما
دام فإن الجمال حال تحول
وصلينا نصلك في هذه الدنيا
فإن المقام فيها قليل
لقد تعذب شعراء كثيرون في محاولات القبض على كنه الجمال وسر روائه وعظمة إلهاماته وتجلياته النورانية وأسراره البهية فلم يخرجوا بطائل سوى متعة رحلة البحث فنفضوا أيديهم منه كما نفض المتنبي يديه من الحياة ومتاعها:
عرف الناس قبلنا ذا الزمانا
وعناهم من أمره ما عنانا
وتولوا بغصة كلهم منه
وإن سَر بعضهم أحياناً
ومتاع الحياة أحقر من أن
نتعادى فيه وأن نتفانى
وبعد المتنبي وصل المعري إلى إزاحة قناع الحياة المرعب الذي صوره أبو العتاهية بقوله: (لدوا للموت وابنوا للخراب) ولكن رهين المحبسين ساوى كفتي الميزان لكي يرتاح ويزيح ليقول: إن الإنسان ما بين ضلالة المنى وكلالة الجنى هو الضائع الأكبر علم أم لم يعلم:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شادي
وسواء صوت البشير إذا قيس
بصوت النعي في كل ناد
صاح هذي قبورنا تملأ الأرض
فأين القبور من عهد عاد
سر إن استطعت في الهواء رويدا
لا اختيالاً على رفاة العباد
وقد أخذ عن المعري هذا المعنى عمر الخيام بترجمة أحمد رامي, ولكنه منحه لمسة جمالية فائقة ومجسدة, حيث استنبت الجمال الراحل وإن كان في عمق الثرى:
فامش الهوينى إن هذا الثرى
من أعين فاتنة الإحورار
اليوم نودع عاماً هجريا,ً وبعد 3 أيام نودع عاماً ميلادياً, بليت أوراقه وتساقطت نجومه, ونستقبل آخر بكل أحلامنا الساذجة وتطلعاتنا الطفولية البريئة وانتظارنا لما يأتي ولا يأتي من وراء سجف الغيب وديدننا وتميمتنا:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الامل
وكل عام وأنتم بخير بأفواه مرزوقة وأمان ملحوقة ووطن سعيد لا متربص ولا بليد, بصره حديد, وسمعه شديد, وعدله مديد .. دمتم.

اترك تعليقًا