جورج تنيت-2

.. يخلص جورج تنيت مدير المخابرات المركزية الامريكية بين عامي 1997و2004م في كتابه المثير للجدل ، (في قلب العاصفة) إلى أن الاستخبارات ليست الرد الوحيد على كل مشكلة معقدة ، غالبا ما يتوفر 60% فقط من الحقائق المرتبطة بالأمن القومي وذلك في أحسن الأحوال.

قدم جورج في كتابه مرافعة بليغة مطولة ومفصلة أمام محكمة التاريخ الذي لا يرحم أحدا في بلاد العم سام وذلك على خلفية الحرب على الإرهاب بشتى أصنافه ومكوناته وتهديداته الماثلة والوشيكة والمتخيلة ، وأحداث 11 سبتمبر المريعة التي كشفت الترهل في الأمن الأمريكي المخترق في الداخل بينما هو يمد أياديه الاخطبوطية إلى كل أركان الأرض (طبيب يداوي الناس وهو مريض) إضافة إلى كارثة الحرب في العراق عبر غزو لم يكن له أي مبرر من القانون الدولي أو الأعراف والأخلاق حيث مشت امريكا إلى المحرقة كـ(المسحور) الواقع في أسر عمل شيطاني تدفع به أياد خفية تعمل في الظلام الدامس (من أعظم الألغاز بالنسبة اليّ متى أصبحت الحرب في العراق أمرا حتميا .. والواقع أنني لم أر القطار قادما كما كان يجدر بي) .. إذا كان جورج تنيت لا يعلم ، فمن الذي يعلم ياترى؟.

أوضح أنه كانت هناك عصابة بكل معنى الكلمة تحكمت وحكمت قرار البيت الأبيض ، وقد تقافزوا كالجرذان حين بدأت السفينة تغرق في المستنقع العراقي ، وكان تحريف الوقائع والتزوير وتجريف وتجريم المخالفين والتشكيك في عملهم ورؤاهم وتقييماتهم هو الأساس في القرارات الخاطئة التي تراكمت كالعواصف المدارية لتضرب منطقة الشرق الأوسط وتصيب مصداقية امريكا في مقتل ، وقد وجدت (الـ.سي.آي.ايه) نفسها في عين العاصفة كمن يركض وشعره يحترق ولا أحد يستمع إليه: (على الرئيس أن يمارس دوره في القيادة) لأنه (عندما تكون السياسات غير مناسبة ، وعندما لا يوجد من يصغي إلى التحذيرات لن يكون قصور المخيلة لدى المهنيين في الاستخبارات هو الذي يضر بالمصالح الامريكية والشعب الامريكي).

لقد بدا الرئيس جورج بوش في هذه السيرة باهتا يستمع على الدوام ، وقد يسأل أحيانا ، ثم يتحمل مسؤولية قرارات أخذها آخرون ، ومع احترامه العالي لمقام الرئاسة الأولى في العالم ، إلا أن جورج تنيت بدا كمن يخنق حشرجة في رقبته بين تنزيه الرئيس ، أو الصراخ في وجهه من بين السطور: أين أنت ياسيدي؟ إن إحاطة الرئيس وعزمه وحزمه وقدرته على قراءة نفوس البطانة هي التي يمكن أن تحول مسارات السفينة أثناء العواصف المدمرة: (لقد تفاقمت المشكلات في عراق ما بعد صدام بسبب اعتقاد خاطئ بأننا نستطيع فرض رؤيتنا للمستقبل على مجموعة متنوعة من الشعوب لديها حوافز وتوقعات شديدة التباين).

المعنيون واصحون في المجموعة التي يقودها نائب الرئيس ديك تشيني والتي فرضت أجندتها خلال ولايتي الرئيس جورج بوش حيث عملت بالتمنيات وتجاهلت الوقائع والمؤشرات مستغلة القوة الامريكية الكاسحة: (قدمت تحذيرا واضحا من تنامي التمرد في العراق ، لكن المشكلة هي عدم الالتفات لتحذيراتنا فقد مضت فترة طويلة كانت حكومتنا فيها عاجزة أو غير راغبة في النظر إلى الحقائق الجديدة أو تغيير سياساتها ، لقد اتبعنا سياسة بنيت على الأمل بدلا من أن تبنى على الحقائق).

(إن العبر المستخلصة من كابوسنا القومي في العراق كثيرة وقد تعلمناها بطريقة مؤلمة ، إن على القوة العظمى الوحيدة في العالم أن تدرك أن هناك حبالا أعلى من أن تتمكن من تسلقها وأن القوة العسكرية وحدها لا يمكنها حل المشكلات). هكذا يرى جورة تنيت؟.

اترك تعليقًا