الإنجاز يفوق الوعد

تحدثت في زاوية آفاق قبل أيام عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وبرامجها المتنوعة، ولا أخفيكم أنني في أعماقي كنت قلقاً بعض الشيء من أن لا يطابق حقل الكلام حقل الإنجاز، فقد تعودنا عربياً – حد المرض وحد الغفران اليائس – مشاريع تعلن وتدق لها الطبول ويتعلّق الناس بأذيالها الهلامية، ثم لا يلبثون حتى يتدحرجوا على أم رؤوسهم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، وأم قشعم لمن لم يسمع بها هي كناية عن الهلاك المحتـّم، وربما كانت لها قصة سأرويها لكم ذات يوم حين أجدها، المهم هو أنني رغم الوقت القصير الذي مضى منذ إنشاء تلك المؤسسة –  وهو لا يتجاوز الأربعة أشهر –  ظللت أترقب بشائر الإنجاز، وعلى أساس “تفاءلوا بالخير تجدوه”، فالرجل – الذي فكـّر وقدّر، وعبر خط اهتزاز الثقة بالنفس والشعور بالنقص – مشهودٌ له بالمقدامية، وأنه يفعل ما يقول، وقد رصد لهذه المؤسسة ما يناطح به بيل جيتس الذي ودع مايكروسوفت وتفرغ للأعمال الخيرية، أما مليارديرات العرب فإننا نسمع منهم جعجعة كثيرة ولكننا لا نرى طحيناً، إلا من رحم ربي ممن أخذوا يرتادون أرضاً بكراً إسمها الصحراء الكبرى في الحضارة العربية المعاصرة، علماً أن أسلافهم كانوا رواد الثقافة على مستوى العالم، ولكن يبدو أننا أخذنا نهج المثل اليمني القائل أنه “ما يشبه أباه إلا الحمار”، ويا ليتنا كنا من تلك التي تحمل الأسفار والمياه وهي لا تدري ما على ظهورها مما يصلح بطونها.

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ=والماء فوق ظهورها محمول

إذاّ لكان مليارديرات العرب الذين يخجل أكثرهم من كونهم كذلك لأن المال لم يشرّفهم، ولم يرفع مقامهم الإجتماعي، وإنما جعلهم محسودين يخشون “العين”، ويتحصّنون بالأسوار والأبواب الحديدية في لجج الفقر المادي والإدقاع الثقافي.

ما علينا، ويبدو أن قلقي ذاك أخ يتلاشى بقوة مع شفافية إعلان مؤسسة محمد بن راشد عن إنجازاتها خلال مائة من الإنشاء، والتي هي في العرف العربي أيام “طق حنك”، وكلام على الورق، وترتيب الغرف، وتموين الشاي والكوفي والذي منه، أما ما جرى في دبي فقد سار على نمط سوقها المالي العالمي، حيث تكشف الشركات كل ربع عام عن ما حققته إيجاباً وسلباً، فقد أعلن قطاع الثقافة في المؤسسة أمس الأول الإنتهاء خلال المائة يوم الأولى من ترجمة 117 كتاباً “هل أنا في حلم أم في علم”، فالكتاب المترجم كان قد أصبح في ندرة الكبريت الأحمر في الحرب العالمية، وما وجد منه ففي حقول الرواية والقصة مما خف وزنه وغلا ثمنه، وهو ليس بالذهب ولا بالألماس. وأعلن القطاع عن سقف برنامجه للترجمة على امتداد ثلاث سنوات محدداً الرقم بألف كتاب مترجم، وأوضح القائمون على القطاع أن الكتب المترجمة تم انتقاؤها من أفضل العناوين وأكثرها قيمة ومبيعاً في العالم، وتغطي حقولاً تترواح بين الإدارة والأعمال والعلم والآداب والثقافة العامة، وقد تم طرح حوالي 40 كتاباً منها في الأسواق العربية “آمل أن تكون وصلت أسواق اليمن التي تعد بين البلدان المرموقة قرائياً”، وذكر القائمون أن البقية سيتوالى نشرها تباعاً خلال الأسابيع المقبلة، وبالتعاون مع كبرى دور النشر العربية، وكانت المؤسسة قد أعلنت تعهدها بشراء 1500 نسخة من كل كتاب يترجم ضمن البرنامج تشجيعاً منها للمترجمين ودور النشر الشريكة، إضافة إلى توزيع تلك الكتب دون مقابل على المراكز الثقافية وصناع الرأي والمكتبات العامة الكبرى في شتى أنحاء العالم العربي، وهذا كما أظن لا علاقة به بالمكافأة المقررة للمترجم.

ومن بين قائمة الكتب التي تمت ترجمتها حتى الآن رواية “مذكرات من نجا” للكاتبة الإنجليزية دوريس ليسنج الحائزة على نوبل العام الماضي، والحقيقة المؤلمة لنائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور الذي يتناول واقع التغيرات المناخية وأسباب وتداعيات ظاهرة الإحتباس الحراري، وكتاب “أفكار لتبقى” للكاتبين والأكاديميين شيب ودان هيث في تحليل المقومات والأسس التي تضمن نجاح الأفكار… إضافة إلى مجموعة أخرى لا مجال لذكرها وهي من غرر المؤلفات.

لقد تم في المائة يوم ترجمة حوالي ثلث عدد الكتب المستهدفة لعام كامل، وهذا في عالم الثقافة العربية مؤشر مبشر لتحول الكتاب إلى صناعة منتظمة تخضع لمقاييس الجودة، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}. صدق الله العظيم.

اترك تعليقًا