تعوّد الصحفيون غض النظر عن العديد من الاخطاء التي نسميها مطبعية والمطبعة منها براء، فماهي الاّ اخطاء بشرية غير مقصودة، وان كانت في احيان كثيرة تقصم ظهر الموضوع أو تشوهه على الاقل حيث يلتبس المعنى على القارئ، وتعودت الصحف ككاتبها وقارئها ان تمر مرور الكرام على مثل تلك الاخطاء باعتبارها شراً لا بد منه، وما فات مات، «وهنا حفرنا وهنا دفنا» على حد التعبير اليمني الظريف فلم نعد نرى التصحيحات والتصويبات الا في حالة الإلحاح الشديد من الكاتب الملتاع أو القارئ المصاب، وربما كانت جريدة «الشرق الاوسط» التي تصدر من لندن هي الوحيدة حالياً التي تقوم برصد الاخطاء وتصويبها، و في ذلك عزاء للقارئ ونقد للذات يثمر انتباهاً اكبر في اعمال الجمع والتصحيح فليس اشق على مصففي الحروف والمراجعين من رؤية اخطائهم منشورة على الملأ، لأن ذلك يعني ضمنا تقييماً لأدائهم الوظيفي لا يرتضون ان يروا أنفسهم ضمن دائرته.
في الاسبوع الماضي وفي هذه الزاوية تحدثت عن الاستاذ الشاعر الكبير ابراهيم الحضراني، ووصفت عينيه بـ«المغرورقتين» أي المخضلتين بندى طبيعي كأن دمعتين تلوحان فيهما فلاهما تنسحبان ولاهما تنسكبان وهذا الاخضلال يكسب العيون وهجاً عاطفياً وحميمية انسانية، وقد شاء حظ الزاوية وحظ الاستاذ وحظي ان تتحول كلمة «مغرورقتين» أكرر مغرورقتين، الى «مغرورتين». هنا انكسر المعنى وخسفت به الارض وجرحت الصورة الجميلة للأستاذ وهو يتحدث الى المتحلقين حوله لا الى ابنته بلقيس التي كانت خلف ظهره تستمع مع السامعين كما جرى تغيير وجهة الحديث في اجتهاد آخر سنقول عنه كالعادة بأنه خطأ مطبعي.
أسأل اليوم عن «جواد اغبري» فمن يحدثني عنه بعد اكثر من ثلاثين عاماً حين التقيته في صنعاء انا وزميلي محمود الحاج حيث أخذنا الى دار حجرية شامخة البناء في صنعاء القديمة ولا أزال حتى اللحظة استشعر دفء الاحجار في عز الشتاء في ذلك المكان الذي إن شئت أنْ تسميه قصراً فلك ذلك ، وكان «جواد» اريحياً بطبعه وله من اسمه النصيب الاوفر، ومثلنا كان هارباً من شمولية خانقة في عدن الى انفتاح متواضع في صنعاء هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لم يكن مثلنا فقد لحقتنا حرفة الادب التي لاتبني بيتاً ولاتملأ بطناً، اماهو فكان خبيراً سياحياً لايشق له غبار، وكانت وفود السياح الغربيين طوع بنانه ينظم لهم البرامج حول اليمن ويستقبلهم بالحفاوة. كان باختصار يعيش ويعيّش أناساً كثيرين، لو كان لدينا خمسة مثل «جواد اغبري» في حينه وخمس مثل «حميدة» صاحبة اشهر مطعم ومزار سياحي في شبام ـ كوكبان لكانت السياحة في بلدنا بخير كبير، على الاقل من ناحية الضيافة والتنظيم وجودة الخدمة.
ولا أزال أتذكر الكويتي الرائع صالح شهاب أبو السياحة في ذلك البلد الديناميكي الصغير وهو يكاد يطبق على رقبتي متسائلاً بغضب: كيف تسمحون لأنفسكم بالاساءة الى جواد اغبري؟ وكيف تضحون بخبرته سدىً..؟ ويختم بحسرة: إنكم قوم لا تفقهون..
ولكن على من تقرأ مزاميرك ياداوود في تلك الأيام العجيبة..؟!