ذكريات من صنعاء (17): معالي الوزير.. إعذرني

ليس مثل كل الوزراء، ولكنه مثل نفسه، يمشي على الأرض هوناً ويأكل القديد في الاسواق: أعد السؤال؟ : نعم يحب نفسه ويحب ان يكون شيئاً مذكورا، وأن يقول الناس عنه احسن وأجاد ، لاافاد واستفاد، وللناس فيما يعشقون مذاهب، وبل اكاد اجزم انه عاشق وقع في احبولة وهيهات ان يخرج منها، كأن قطاة علقت بجناحها على قلبه فهو دائم الخفقان، وهو أيضاً يعيش احلام يقظة ليست كمثل احلام صاحبنا الذي تمنى البحر «زوم» وقاع جهران «ملوجة» ولكن مثل ذلك الشيخ عثماني الشهير «ناصر السليس» الذي كان يغوص في «كالتكس» من بر عدن فيخرج في جيبوتي من بر افريقيا دون ان يطفو فوق الماء، ثم يعود بالطريقة نفسها مقيل «المرشدي» في الشيخ عثمان ـ هنا ثمة غموض في المعنى ـ فكأنما خمر ولاقدح، وكأنما قدح ولا خمر، ودماغ الوزير مثل رادار يعمل على الجهات الاربع بمفرده دون منظومة، ولكنه رادار كفؤ يستطيع التقاط الشبح «ستيلث» و:«طير يا خنذوذ خيطك في ايدي»، وهو من جماعة احبائنا الصينيين، ليس من المهم لديه ان تكن القطة سوداء او بيضاء وانما الاهم انها تصيد الفئران، وقد صاد في عام الفين واربعة اربعمائة عنوان كتاب، لو حضرت معرض ابو ظبي للكتاب هذا العام لملأت سماءه بالنجوم، وقد شهق مسؤول جناح هيئة الكتاب القادم من صنعاء عندما سألته عن ذلك، فقال لي: لو كانت هذه العناوين الاربعمائة بمعيتي لما وجدتني أمشي على الأرض.. هل تعرف ماذا يعني اربعمائة عنوان؟ وقد ناءت امتعتي بعشرين منها، وستقصم ظهري حين اقرؤها.

كدت أقول لأصحابي في وزارة الثقافة والسياحة ما قاله ابو فراس الحمداني:لأصحابه، حين احاط بهم المآل واضناهم السؤال:
وقال اصيحابي الفرار أو الردى           فقلت هما امران احلاهما مر
.. ولكن ماذا يشبه؟ يشبه نفسه: بدوي في إهاب مدني، ومدني يتبدى: ولسان حاله:
إذا الليل اضواني بسطت يد الهوى                وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
ثم هو على عجل، كأنه على سفر لا يكاد ينام، الح علي بمرافقته إلى إب لافتتاح المركز الثقافي ومناني الاماني، ثم نسيني وتوكل بمفرده، وحين استبطأت خابرت، فوجدته في سماره: متى خرج؟ «فجر أول سحار»، وكان لي موعد مع المطر فأخلفته، فما من مرة عبرت «سمارة» إلا وكان المطر مضيفي.. يقول لي: إلحقني .. قلت له:
كلما قلت متى ميعادنا..     ضحكت هند وقالت بعد غد
يتصل بي: المقيل عندي.. قالت خصوصي ارجوان لا يفوتك.. وهذه قصة «ما تحملها ملف»، اذهب إلى اقرب «بني شيبه» اضع المهاد للعتاد.. القات يمكن ان يكون كما وصف ويمكن ان يكون «أي كلام» ولكن الرجل هو الرجل: مزرعة قات وحقل لطف، وكتاب يأتي وآخر يذهب، وشلة من لطائف الناس، كأنهم «باقة» قطفت أزهارها من احراش الجبال المتمادية.. لماذا تعذبني اليمن بمثل هذا الكرم؟
هذا ما قالته ضيفة عربية من الوزن الثقيل.
يسألني أصيحابي: كيف تشوف؟ اقول لهم: صاحبكم ينطبق عليه ذلك القول العتيد: إن اخطر عصابة هي التي تتكون من شخص واحد، يفكر ويخطط وينفذ.. إقرأوه ولا تسألوه..
طيب الله اوقاتك يا صديقي خالد الرويشان.. ومعذرة معالي الوزير.

اترك تعليقًا