مع سالمين في طرابلس – 21

قد يسألني سائل كيف ذكرت في زاوية الأمس أن الرئيس سالم ربيع علي لم يكن يعرفك أثناء الرحلة إلى طرابلس الغرب بينما كنت قد أشرت قبلها إلى تغطيتك مؤتمره الصحفي الأول الذي أفسد عاصفة (الغربان) تسجيله الإذاعي، وأجيب بكل بساطة أن تلك هي الحقيقة، ففي تلك الأيام كانت عدن تمور بأكداس من البشر القادمين من مختلف أنحاء البلاد يبحثون لهم عن موطئ قدم.

وكان الرئيس يلتقي المئات يومياً، فالسلطة كانت تخلق أدواتها وأجهزتها ميدانياً على غير ما نسق، وكان هناك فراغ هائل في الأرياف لا بد أن يملأ، وعلى فرض أن الرئيس رآك فكيف له أن يتذكرك أو يطابق صورتك على اسمك وسط ضجيج آلاف القادة الذين انشقت عنهم الأرض مصداقاً لوصف الرفاعي: “قومي رؤوس كلهم… أرأيت مزرعة البصل..؟!”

المهم وصلنا طرابلس بعد أن نزل الركاب في القاهرة وكانت القيادة الليبية في استقبال الرئيس ربيع وقد ذهبنا في سيارات جيب إلى أحد قصور الضيافة فقد كان ممنوعاً استخدام السيارات الصالون آنذاك في ليبيا بالنسبة لدوائر الدولة، وكانت طرابلس مغمورة بشعارات ثورية بينها شعار منتشر بكثرة يطالب بنبش قبور المستعمرين الإيطاليين لأن رفاتهم يدنس أرض ليبيا، وما أن استقرينا في غرفنا حتى جاء أحد المرافقين ليبلغنا أن الرئيس وخاصته وكبار الرسميين سيظلون في القصر أما البقية فإلى فندق (الودّان).

ولأن الاحتفالات كانت عامة جداً تشهدها وفود من مختلف أنحاء العالم في إطار تنظيم مبسّط لا يعترف بالبروتوكول ولا التعقيدات فإن تلك النقلة إلى (الودّان) جعلتني لا ألتقي بالوفد إلاّ في المطار، ولكم حاولت جاهداً أن أبعث بأية رسالة صوتية إلى إذاعة عدن دون جدوى فأسلمت أمري لله وأخذت أسمتمتع بما لذّ وطاب من الموائد العامرة في فندق (الودان) الجميل، ذلك أن الفرق بيننا وبين إخواننا الليبيين إننا كنا ندفع ثمن الشعارات من بطوننا الجائعة، أما هم فقد أعطاه الله بسطة في الرزق جعلت مردودات شعاراتهم الثورية أقل وطأة وأخف وقعاً على الشعب.

في مطار طرابلس الدولي ونحن نستعد للعودة إلى عدن، وبحضور القذافي والقيادة الليبية انتظرنا الطائرة اليمنية التي ستقل الرئيس أكثر من ساعتين دون أن تصل أو تبعث بما يشير إلى قرب وصولها حتى وصلت أخيراً برقية عاجلة بأنها لن تأتي حيث أنها متعطلة بأحد المطارات وتنتظر مهندسين وقطع غيار، وقد عرض الزعيم الليبي طائرته الخاصة التي لم تكن تتسع سوى لثلاثة عشر شخصاً وعليه فإن أربعة سيعودون إلى (الودّان) وكنت منهم.

وقد نشبت أزمة ومناوشة كلامية وصلت أصداءها إلى آذان الرئيسين بين العائدين إلى الفندق وسكرتير الرئيس ربيع عبدالله الملاحي، الذي كان كريماً في كلّ شيء إلاّ الفلوس، ولم تكن قد صرفت لنا أيّ بدلات سفر، وأمامنا كم يوم في طرابلس وكم يوم في القاهرة وجميعنا على (الحديدة) تماماً.

اترك تعليقًا