مفقود في القاهرة – 22

أخيراً… بعد أن كادت أرواحنا تزهق من الأخذ والعطاء مع الشاعر والأديب وسكرتير الرئيس سالم ربيع علي، عبدالله عبدالكريم الملاحي، في محاولات مستميتة لاقناعه بضرورة أن يمنحنا بعض النقود تحسباً للظروف ولأنه من غير اللائق أن يبقى أعضاء وفد رئاسي هكذا على باب الله..و..و..و..و.. من تلك الحجج التي لا يستمع إليها الملاحي ولو نظمتها شعراً، لأنه مشغول أساساً بحجج عدم الصرف.

أخيراً بعد أن علت أصواتنا حتى لامست آذان الرئيسين القذافي وربيع ولفتت أنظار رجال الأمن أدرك الملاحي أن لا مفرّ من القدر فنظر إليّ نظرة هائلة لتأكده من أنني وراء هذه المصيبة فما ثم من شعرة سوداء في جلد الوفد الأبيض المتناسق غيري وقال: “الحساب بيننا في عدن..” قلت له: “أكّلني اليوم وموّتني بكره”.

وفي حركة مسرحية أعطانا الملاحي ظهره وأخرج 40 جنيهاً استرلينياً بالوفاء والتمام لا أدري من أي جيب سحري وقام بتسليمها لطباع الرئيس مع تعليمات صارمة بأن لا يصرف منها جنيهاً واحداً إلاّ لضرورة لا مفرّ منها على أن يقوم بأخذ إيصالات وتوقيعات أصولية… وعلى ضآلة المبلغ فقد تنفسنا الصعداء ونحن نر الملاحي يهرول مبتعداً عنّاوالألم يعتصره، ولكنه ما أن أبتعد قليلاً حتى عاد كأنما نسي شيئاً فاستعذنا بالله، ولكن جاءت سليمة، فقد عاد فقط ليؤكد تعليماته.

قبل أن ترتفع طائرة الرئيس في السماء كنا الأربعة العائدون إلى فندق الودان نتقاسم المبلغ الثمين في زاوية صالة الشرف بمطار طرابلس الدولي وقد ضربنا بتعليمات عبدالله عبدالكريم الملاحي عرض الحائط.

لم يقصر الإخوان الليبيون معنا فحجزوا لنا تذاكر سفر بالدرجة الأولى إلى عدن عبر القاهرة، وكان الرئيس قد أعطى أوامره لسفيرنا في القاهرة بأن نسافر على أوّل طائرة ولكنني لسوء حظي لم أكن أعلم بهذه الأوامر وكنت ضحية لموقف لم يكن في الحسبان.

ففي مطار القاهرة الذي وصلناه في الصباح الباكر سمحوا لرفاقي الثلاثة بالدخول واستمهلوني عدة ساعات حتى يسألوا بشأني وزارة الخارجية، ولم يلبثوا أن سمحوا لي بالدخول، ولما كنت حديث عهد بالتخريج من القاهرة فقد ذهبت إلى شقة أحد الزملاء وهناك (غطست) خمسة أيام بلياليها بينما السفير يبحث عنى ويتبادل الرسائل بشأني مع عدن والخارجية المصرية فقد اعتبرني (مفقوداً).

وحين ظهرت عليه في اليوم السادس تهلل وجهه ظاناً أن جهوده المضنية أتت ثمارها ومتشوقاً لسماع قصتي، فلما علم أنني كنت (أتصرمح) من الجيزه إلى الدقي إلى مصر الجديدة، وأنه لا قصة ولا يحزنون تملكه غيظ وغضب جعلاني أفرّ هارباً من وجهه لأحجز على أول طائرة إلى عدن.

اترك تعليقًا