ومن أقطاب مرحلة السبعينات في عدن التي شغلنا القراء بها للعبرة والذكرى لأنها أحداث ومواقف يمكن أن تمر بأي بلد عربي، رئيس لجان الرقابة (سلطان الدوش) الذي كان مقرباً من الرئيس سالم ربيع علي، وقد أنعش ذاكرتي به الزميل اسكندر اسماعيل أخو (عبدالملك اسماعيل) سفير اليمن في باكستان، الذي خابرني ليذكرني بقصة (المسطرة) التي شغلت العباد والبلاد.
ذلك أن أحد العاملين قد انكسرت منه أثناء نقل لوازم إحدى الإدارات إلى مبنى جديد مسطرة عادية من تلك التي يحملها تلاميذ المدارس حتى أيامنا هذه ففتحت لجنة الرقابة في المرفق محضراً بذلك، ومن ثم لجنة للتحقيق والمساءلة لأن كسر المسطرة يمكن أن يكون عملاً من أعمال التخريب ضد الثورة، وهكذا أخذ الملف يتدحرج ويكبر مثل كرة الثلج حتى أصبح يهدد بالتحول من الكم إلى الكيف وفقاً للنظرية، وقد سعى الزميل اسكندر مع صاحبه عبده علي عبدالرحمن نائب وزير الخارجية عقب الوحدة لإغلاق هذا الملف الخطير الذي قد يفقد العامل بسببه وظيفته ومستحقاته وربما راح فيها (فطيس) فذهبا إلى رئيس اللجنة العليا للرقابة (سلطان الدوش) الذي أفتى بأن هذه القضية على درجة عالية من الخطورة ولايمكنه الفصل فيها إذا لم تكتمل كل اجراءاتها وفق القوانين الثورية.
طبعاً ووفقاً للمنطق والمصلحة، فقد عرض العامل شراء عشر مساطر بدل المسطرة الواحدة إذا كانت متوفرة في السوق، ولكن هذا العرض جوبه بالرفض الحاسم، لأن المسألة ليست (مسطرة) وإنما ما وراء المسطرة.
وكان لا بد أخيراً أن يصل الأمر إلى الرئيس سالم ربيع علي الذي أدرك بفطنته أن المسألة زادت على حدها وأن هذه البيروقراطية الثورية المرتعشة أمام مسطرة ستضرّ بالقضية، فقرر إقفال ملف المسطرة على مسؤوليته وقد تحدث عن الأمر في احتفال عيد العمال العالمي آنذاك فتنفس الناس الصعداء.