محسن صالح وذكريات السجن – 38

يتذكر (محسن صالح صادق) العشرين شهراً التي قضاها في السجن بتهمة توزيع زكاة من أحد التجار المغتربين على فقراء منطقته ويقول: “دخلنا إلى السجن تحت مظلة التهمة نفسها سبعة وثلاثين شخصاً وخرجنا ثلاثة عشر، أما الباقون فقد (لحسوهم)”.

وقد شاعت في عدن السبعينات تعابير من نوع (لحس) و (صرف) بمعنى (الله يرحمه) لا تسأل عنه لكي لا تُلحس. وترددت آنذاك (نكته) حول وزير الدفاع (علي عنتر) الذي كان مركز جذب للنكات بشخصيته المرحة وتعليقاته اللاذعة على البديهة وصدره الرحب حتى أنه كان يسأل عن آخر نكته عن (علي عنتر) بنفسه، ولم أر على ناصر محمد نادماً على خلافه مع أحد مثل ندمه على مأساة الخلاف مع علي عنتر.

أما النكتة التي تعبّر ضمناً عن تعدد الأجهزة التي كانت تقوم بعمليات الاختطافات وتوابعها فتقول أن علي عنتر طلب من جماعته لأمر ما لا يعلمونه أن يحتفظوا بأحد الأشخاص في (الحْسَوه) بتسكين اللام وفتح الحاء، فلَحسوا المسكين ولم يعثر له على أثر بعد ذلك.

يواصل محسن صالح صادق عملية التذكر القاسية فيشير إلى فلان الذي كان أنفه مثل أنف النسر وفلان الذي كان يزمجر مثل الأسد، وأشعر أنا أن (محسن) يعاني من شعور بالذنب لأن أصحابه ماتوا وخرج هو والاثنا عشر الآخرون أحياء، ولا أعتقد أن له ذنباً في ذلك فقد عانى مثل ما عانوا ومات مئات المرات بعدد الأيام التي قضاها في السجن.
الغريب أن (محسن) ليس من القوى المضادة وإنما كان من (عظام الرقبة) لذلك يفيق فجأة من بئر الذكريات ليقول لي: “أغرب شيء يا أخي هو أنني عندما عينت مأموراً لمديرية (يافع) وجدت في أحد الملفات بالصدفة محضر اجتماع حزبي سمّى حوالي خمسة عشر مسؤولاً من المديرية ينبغي أن تتم تصفيتهم لأنه من المحتمل أن يصبحوا أو يتحولوا إلى أعداء في مرحلة قادمة وكان اسمي بينهم. كان ذلك أحدث أنواع التصفيات وفقاً لتوقعات مستقبلية مما يذكر بالنكتة السوفييتية الشهيرة حول محاكمة رجل بتهمة (التفكير) لأنه ضبط منعزلاً وواجماً ينظر إلى الأفق البعيد.

اترك تعليقًا