مهمة وزارة الثقافة – 39

كان أحد القادة الكبار في عدن السبعينات يتلذذ بترداد مقوله منسوبة إلى أحد الطغاة العالميين يقول فيها أنه عندما يستمع إلى مثقف يتحدث فإنه يتحسس مسدسه، ودلالة هذا القول واضحة جداً كمؤشر للتعامل مع هذه الفئة الضالة.

ولست أجد مثالاً بليغاً للتعبير عن هذه المقولة على أرض الواقع من الإشارة إلى أنه في أعقاب السبعة الأيام (المجيدة) تقرر إنشاء وزارة للثقافة بعيداً عن الإعلام لكي تضم جميع (المترهلين) وكنت قد تركت الإذاعة عقب الغارة الشعواء التي شنها عليها المنددون بالبرجوازية بقيادة شاعر الجياع على مهدي الشنواح.

ومن ثم فقد انضممت بدوري إلى هذه الوزارة الجديدة التي كان وزيرها عبدالله عبدالرزاق باذيب بأدبه الجمّ ومزاجه الثقافي وحدبه على المنكسرين المذلين المهانين، وقد حوت الوزارة مشاهير النجوم مثل الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، وزميله أحمد قاسم وصاحب أشجن الأصوات وأكثرها امتلاء بالحنين الفنان محمد عبده زيدي إضافة إلى فريد بركات وسعيد أحمد الجناحي والموسيقار جميل غانم وكوكبة من المواهب التي أصبح لا شغل لديها ولا عمل غير محاولة تأسيس صرح حضاري على أساس من الرمال المتحركة.

كان الشيء الأجمل الذي خرجنا به من تلك الطبخة المدبّرة هو ذلك المبنى الأبيض الجميل الواقع على الزاوية البحرية بين فندق (الهلال) الشهير وعمارة (البينوا) الجميلة حيث كنت أعمل، وكان المرحوم محمد ناصر محمد ألمع الإعلاميين آنذاك قد أسس في المبنى وكالة أنباء عدن قبل أن يصبح سفيراً في بيروت ويقضي في حادث تفجير طائرة الدبلوماسيين، وقد سعدنا من مكاتبنا المطلة على البحر بالحوار مع الأمواج ومراقبة الأفق البعيد حيث تمرق البواخر في المياه الدولية والتي ما عادت تزور ميناء عاصمتنا الاستراتيجي.

وقد نما إلى علما أن (جهازاً) متنفذاً في الدولة قد راق له ذلك المبنى الجميل وأنه يضغط للحصول عليه، ولم نأخذ الإشاعة على محمل الجد حتى جاء ذلك الصباح المشؤوم الذي أكّد مقولة القائد الكبير، فقد ذهبنا إلى الوزارة لنجدها مغلقة بالسلاسل والأقفال أما مكاتبنا وملفاتنا ودواليبنا وجميع متعلقاتنا من الوزير إلى الغفير فقد كانت مرمية في ملعب كرة القدم بالتواهي نهباً للغربان التي كانت تتلهى اللبحث عن أي شيء بين الأنقاض، وهكذا تم ترحيلنا إلى مبنى كئيب في أعماق المدينة المظلمة.

اترك تعليقًا