تواصلاً مع زاوية الأمس فإن الأخ (محسن) قد هددني بأن يحقق معي شخصياً عندما التقيته في الشاطئ الذهبي (جولدمور)… أما السبب فهو “أنك تحقق مع بناتنا على الهواء”.
وقصة ذلك أنني استضفت في برنامجي التليفزيون (فنجان شاي) ثلاث فتيات قيل لي أنهن تخرّجن من ألمانيا الديمقراطية، وكان البرنامج يبث على الهواء مباشرة في سهرة أسبوعية تستغرق حوالي ساعتين، وكنت أفضل دائماً أن يكون الحوار حراً غير (مطبوخ) وطبعاً لم يكن لديّ أيّ فكرة أنهن درسن على حساب الجهاز وإلاّ فمن الجنون أن أفكر بإدخال يدي في (عشّ الزنابير).
بعد التحية والسلام… وكيف الحال والأحوال.. وشرب فنجان شاي، بدأت الأسئلة تدخل في نوع التخصص ومواد الدراسة فإذا الفتيات كأن على رؤوسهن الطير، صمٌ بكمٌ عمي يلجلجن بكلام غير مفهوم، فأصبح حالنا على الهواء كحال السائل عن الروح حيث المسؤول ليس بأعلم من السائل.
ولقد كان الإحباط الأكبر من نصيبي باعتباري المسؤول عن نجاح البرنامج أو فشله، ولو كنت في بلد ديموقراطي لطالبت الأخ (محسن) بالتعويض أو على الأقل (الاعتذار) لأنه لم يحسن تربية (بناته) فيعتذرن عن الظهور على شاشة التليفزيون أو يكن على قدر المسؤولية فيعرفن كيف يجبن.
على كال حال… أصابتني قشعريرة من نوع ما نتيجة ذلك التهديد المبطن حتى أصبحت كلما مررت بمدينة (التواهي) ولمحت مبنى الجهاز الأبيض (البريء) أبسمل وأحوقل وأقرأ المعوّذتين ثم أمرق كالسهم وأنا مغمض العينين.
لقد تذكرت زميلنا (حامد جامع) ذلك المثقف الصومالي العدني الرقيق كالنسمة المسالم كالفراشة الذي يتمزّج بالحوار كأنه يقضم تفاحة، أو يقرمش بسكوتاً، فقد تلقى دورة في فن (الحوار المضاد) خرج بعدها لا تعرف (وجهه من قفاه) ولا تزال الكوابيس تكبس على رفيقه محمد يوسف قحطان حتى يومنا هذا لأنه كان أول من تلقاه.