حتميات نايف حواتمة – 48

لم يشنّع عامة الناس في عدن السبعينات على كادر قيادي عربي بقدر ما شنعوا على (الرفيق نايف حواتمه) وبالتأكيد فإن (أبا النوف) لم يسمع شيئاً عن ذلك أو أن ما وصله كان مخففاً لأنه كان يلقى القبول الحسن والإنصات الجيد لدى القيادة، وذلك يكفيه ويرضيه.

وحال شعبنا في ذلك حال الأم التي ترفض أن تصدق أن ابنها الذي ربته بيديها وعلى قلبها يقوم بأعمال لا تنم عن تربية طيبة، لذلك فهي تلقي اللوم على رفاقه حتى وإن تأكدت بنفسها أنه رأس العصابة.

على كل حال… نشير إلى أن (الرفيق) نايف كان أول من نظر للخلاف والاختلاف في بلدنا وكان في ذلك منسجماً مع نفسه ولا تثريب عليه، ففي مطلع السبعينات أصدر أبو النوف كتاباً بعنوان (أزمة الثورة في اليمن الجنوبي) ضمنّه إحدى (حتمياته) من أنه لا بد من حسم الصراع لصالح اليسار وقد استشعر القائد البارز فيصل عبداللطيف حدّ الموسى القاطع فرد على الكتاب بكتاب مضاد أسهم فيه أيضاً علي عبدالعليم وعبدالفتاح اسماعيل الذي تنصل في مرحلة لاحقة من مسؤولية مشاركته بحجة أنها تمت تحت الإكراه.

ومن (حسنات) الرفيق نايف أنه طبع بأسلوبه عدداً من الكوادر العليا الذين انطلقت ألسنتهم تنطق بالساعات كلاماً (بلغتنا عن لغتنا بما ليس من لغتنا) كما قال الأعرابي عن النحويين في البصرة.

ففي تلك الأيام العجيبة كان مجرد (تسليك) اللسان بالمصطلحات ورصها في نسق ثم الاستمرار في الحديث دون تلعثم هو إحدى المعجزات، وفي هذه الحالة فإن المستمعين يؤمنون على كل كلمة لأنهم لا يفهمون ولا يريدون الظهور بمظهر غير الفاهم، وفي هذه النقطة بالذات وجدت سوقاً كبيرة للغش السياسي أثارت العجب في بدايتها عندما كانت تشبه الكلمات المتقاطعة ولكنها أثارت الرعب والدمار عندما قررت التحول إلى واقع بديل.

وأنا على يقين أن (الرفيق) نايف حواتمه عندما يستعيد الذكريات الجنوبية ومداخلاته النشطة التي لم تتوقف في أي يوم من الأيام يشعر بالندم الذي يلازم ذكريات الأيام الذهبية، ذلك أن مساحة هامة قد تلاشت أمام طاقاته الهائلة.

وعلى العكس من ذلك كان (الحكيم) جورج حبش الذي يبدوا أنه لم يلعب (الغميضة) أبداً فقد كان أميَل إلى وزن الأمور والنظر إلى البعيد ومن ذلك ما رواه لي (عبدالقادر العفيفي) وكان مسجوناً في (أبين) فقد مرّ (الحكيم) على معتقله وسأل عنه من يكون… فقيل له أنه من (بقايا السلاطين) فنصحهم الحكيم بأن يدعوه وشأنه فما من خطر يأتي من هؤلاء (المنتهين)… ويعلق العفيفي بالقول: أشعر أني مدين بجزء من حياتي لكلمة الحكيم.

اترك تعليقًا