شافعل مثل قايد – 52

غادرت مدينة عدن في الأيام الأخيرة من العام 1973 متجهاً إلى صنعاء ضمن وفد أدبي يضمني والأستاذ محمود الحاج الشاعر والصحافي المعروف برئاسة الشاعر الأستاذ محمد سعيد جرادة لغرض أرساء اتحاد عام للأدباء والكتاب اليمنيين على مستوى الوطن اليمني.

وكان عمر الجاوي صاحب الفكرة و(الدينامو) المحرّك وراءها، حيث كان فرع عدن قد تم تأسيسه وأعاد إصدار مجلة (الحكمة) التي أسسها الشهيد محمد عبدالوهاب الوريث. وقد ذهب الجرادة إلى الرئيس سالم ربيع علي لاطلاعه على مهمة الوفد وما يتوقعه الاتحاد من دعم من الدولة ولاستئذانه بالسفر فلم يعترض على شيء سوى أنه أشار إلى اسمي متسائلاً: “وما دخل هذا بالأدباء والكتاب”، فرد عليه الجرادة بروحه المرحة، هذا يتقفز له مع الذين يتقفزون.

وفي (المقيل) الذي  كان يضمنا بشكل شبه يومي في (المنصورة)، وبحضور المطرب الكبير محمد مرشد ناجي الذي كانت تربطني به علاقة ودية حميمة، حتى أنه أمر أولاده بأن يعدوا لي (ثلاجة) قهوة مزغولة، أي بالسكر كلما حضرت ذلك أن (المبرز) الذي نلتقي فيه كان مجاوراً لمنزله، وفي ذلك تكريم وأي تكريم لشخصي المتواضع. أخذ الجرادة يلمز ويغمز خالطاً الجد بالهزل وهو يقول للمرشدي: “يا بوعلي… الرجال صاحبنا اللي على بالك… باين رقبته با تنقرط… بس خلي بالك، أنا ما قلت حاجة، هاذي أيام بطالة، وما يودي الإنسان في داهية إلا لسانه”. فرد عليه المرشد: “يا رجال قل غير كلام، منوه صاحبنا ومنو يا يقرطه؟” فلكزني الجرادة بكوعه قائلاً: “صاحبنا أبو لسان طويلة اللي بجنبي، واللي با يقرطه الكبير أبو الأنياب…” ثم روى قصة المقابلة وما استنتجه لنفسه من لهجة الرجل (الكبير).

علق محمد مرشد ناجي بالقول: “يا أخي.. فال الله ولا فالك… وعلى كل حال إذا كان غريمك رئيس الدولة فالحلّ الوحيد إنك تترك له البلاد بما فيها و (تفلّ) بجلدك ‘إلى أيّ مكان”. وكانت تلك حكمة المرشدي الشائعة وبسببها ترك البلاد مدة طويلة في ضوء كلام من هذا القبيل، وفي تلك الفترة، فإن الحليم تكفيه الإشارة، وياروحي ما بعدك روح. تذكرت بأسى أصحاب (مقيل البنجسار) بالتواهي الذين بعد أن (يسلطنوا) بالقات وتنفك عقدة الخوف عن ألسنتهم ينشد الصف الذي على اليسار: “الأرض… الأرض.. لمن نتركها؟” فيرد الذين عل اليمين، “للريح.. للذيب..” وهم يشيرون بألسنتهم إلى صورة على الدار.. ثم يصرخ أحدهم: “إذا زايد الزايد، شفعل (سأفعل بالهجة الحريّة) مثل قايد…” ماذا فعل قايد، كان من بطولات ذلك الزمان فإنه عبر الحدود بسلام.

اترك تعليقًا