حرية القول، وحرية البول – 55

تواصلاً مع زاوية الأمس في مكتب وزير شؤون الوحدة اليمنيه بصنعاء الأستاذ عبدالله حمران الذي كان معجباً أيّما إعجاب بشعر رئيس وفدنا القادم من عدن محمد سعيد جرادة، أخذ الوزير يقرأ مطولات من شعر صاحبه بينما الأخير يهزّ رأسه طرباً وأنا ومحمود الحاج أسقط في يدنا، ولم يكن أمامنا سوى الانتظار بعد أن كنا قد هيأنا نفسينا لقول جمل من الوزن الثقيل خاصة أنها كان المرة الأولى التي نسافر فيها لمهمة من هذا النوع.

أخيراً جرى استدعاؤنا لمقابلة القاضي عبدالرحمن الأرياني رئيس المجلس الجمهوري، فدخلنا على شيخ وقور يعتمر عمامة وجبة القضاة غير محاط بأي شيء من أبهة الحكم وصولجانه، وكان متحفّظاً في الحديث، ويبدوا أنه اعتبر مجيئنا للسلام عليه فقط، استمع إلينا بأدب جم دون أن يعقب سوى بالقول: “لا شك أنكم ستذهبون إلى وزارة الإعلام وسيقدمون لكم كل مساعدة ممكنة”، وكان ذلك إيذاناً بالإنصراف فانصرفنا.

ثم ذهبنا للسلام على الأستاذ أحمد محمد نعمان عضو المجلس الجمهوري وشيخ المجاهدين اليمنيين الذي استقبلنا بعاصفة من الأشعار والحكم والمرويات والقفشات.

ثم فجأة انعطف بالحديث فقال: “قلبي يحدثني أن بعضكم لن يعود إلى عدن عقب انتهاء المهمة”، فالتفتنا لبعضنا أنا ومحمود الحاج لأننا كنا قد قررنا ذلك فعلاً، ولم نكن قد قلنا ذلك للأستاذ جرادة حتى لا نحبطه لأن موقفه سيكون صعباً عندما يعود بدون الوفد، وربما لم يسمح له بالمغادرة بعد ذلك أبداً.

أذهلتنا فراسة النعمان المشهود له بها، فأخذنا أنا ومحمود نجمجم بما يؤكد صدق توقعه ولكن تلميحاً لا تصريحاً فعقب على البداهة بالقول: “أخاف على (فخارتي) أن تحطما” مشيراً إلى رأسه، ثم شعراً، “ولو كان لي رأسان جدت بواحدٍ.. ولكنه رأسا إذا راح أعقما”.

بعد ذلك ذكر الأستاذ النعمان أنه يحضّر لإصدار جريدة وقال: “سيسعدني مساهمتكما فيها..”  فقلنا له، لكل حادث حديث، وسنفكر في ذلك، فضحك وهو يقول: “عندما كنت في سجن الإمام بحجه مسلسلاً بالقيود وغير قادر على المشي السويّ ثم أطلق سراحي وتحررت قدماي من القيود ظللت لفترة أسير بطريقة المقيدين..”، وعقّب: “وأنتم الآن في هذه المرحلة، وأرجو أن لا تصلوا لمثل ما وصلت إليه مع عبدالناصر حين سجنني وأنا رئيس للوزراء فأبرقت إليه أقول: لقد كنا يا سيدي نبحث عن حرية القول، فأصبحنا نبحث عن حريّة (البول) في هذا السجن الرهيب”.

اترك تعليقًا