تواصلاً مع زاية الأمس وما التقطناه من حكايات الوفد الأدبي اليمني القادم من الجنوب إلى الشمال سعياً وراء تأسيس اتحاد عام موحد للأدباء والكتاب اليمنيين في الأيام الأخيرة من العام 1973 ومطلع العام 1974 نشير إلى أن رئيس الوفد الأستاذ الشاعر محمد سعيد جرادة تأكد لديه بما لا يقبل الشك أنه سيعود إلى عدن وحيداً بدون عضويّ الوفد نظراً للأوضاع التي فصلناها في هذه الزاوية اليومية على امتداد أكثر من شهر ومع أنه كان متعاطفاً مع زميليه كانت هذه الزاوية والشاعر الصحافي محمود الحاج إلا أنه – والحق معه- قد وجد نفسه في وضع حرج، لأنه لن يعدم من يحمله مسؤولية هروبهما خاصة وأنهما غادرا بدون ضمانات.
وقد حاول جاهداً أثناءنا عن هذه ا(الفعلة السوداء) دون جدوى، وتوسل إلينا بكل من نحب أن نرحم كبر سنه، وأن نتصور مسؤولية النتائج التي يمكن أن يتحملها دون أي ذنب جناه سوى قبوله بأن يترأس اثنين من (الصعاليك) اللذين ما إن وجدا نفسيهما خارج القفص حتى قررا الرحيل دو تفكير في مصير أهلهما، وعلى الرغم من وجاهة آراء وتحليلات الأستاذ إلا أننا أعطيناه آذاناً صماء، بل أننا أخذنا نزيّن له الانضمام إلينا نظراً لمكانته الأدبية العالية التي ستجعل من إقامته في الجزء الشمالي من وطننا سمناً على عسل، خلافاً لحالنا أنا وصديقي الذين نُعتبر شبه مجهولين، عدا هذه المعرفة العابرة بالأوساط الأدبية وبعض المسؤولين في الشمال عبر مهمتنا الرائدة التعيسة والتي ستنتهي بما يشبه الفضيحة فأية مصداقية لموفد يدعوا لأمر هو أو ل الهاربين منه، ومع ذلك قد كنا انعكاساً لصورة وطننا في ذلك الزمن الكئيب، ولا أخفى أنني استمزجت رأي أستاذنا عمر الجاوي قبل أن أغادر عدن فقال لي: “إفعل ما يحلو لك.. وما الفرق بين عدن وصنعاء، أما النتائج فدعها عليّ… ويا جبل ما يهزك ريح”.
الأستاذ الجرادة أخذ في تهديدنا بعد أن وجد أن الملاينة لا تنفع، وكان يقول: “والله يا ملاعين إذا ما رجعتوا سوف أفعلها وأهرب معكم وعليكم تحمل النتائج…” وفجأة وجد الأستاذ الحل حين عثر على جواب السؤال، فقال: “سيسألوني عن هذا الهروب الذي لم يخطر لي ببال وسأقلو لهم: التقدميون تقدموا والرجعيون رجعوا.” وكان يضحك من قلبه لهذه الأحجية لأنه كان متهماً بالرجعية كشاعر كلاسيكي محافظ على العمود، ثم يضيف: ” وسأقول لهم أيضاً احمدوا الله وبوسوا أيديكم وراء وقداّم لأني رجعت بينما المفروض أن أكون قائد المسيرة،..” وعاد الأستاذ وحيداً ورددت مدينة عدن بأسرها مقولته: “التقدميون تقدموا والرجعيون رجعوا.. رحم الله الأستاذ جرادة…