ومضات:في وداع الكاتب المبدع فضل النقيب (عبدالعزيز المقالح)

لن أقول أنني فوجئت برحيل الصديق والكاتب الكبير فضل النقيب فقد كان على مدى الأعوام الثلاثة الاخيرة يعاني من المرض، ولايكاد يخرج من المستشفى حتى يدخله ثانية، وكانت أيدي اصدقائه ومحبيه على قلوبهم دائماً خوفاً عليه كما كان الدعاء الصادق على شفاههم بأن يحفظ الله عليه عافيته ويستمر عطاؤه، وكان الحزن قد بلغ مداه في نفوس هؤلاء وهؤلاء عندما توقف عن عموده اليومي البديع في صفحات الثورة، لكنه عاد بعد انقطاع ليواصل رحلته اليومية في التواصل مع قرائه بوصفه واحداً من فرسان الأعمدة وأكثرهم حرصاً على ان يقدم للقارئ في ذلك الحيز المحدود ماينعش وجدانه ويطور وعيه، لكنه عاد ايضاً ليتوقف نهائياً وكان ذلك منذر بأن صحته لاتساعده على الكتابة الى أن حملت الانباء رحيله الفاجع.

يتعب المبدع ويدخل في صراع مع نفسه ومع أساليب الكتابة السائدة الى ان يتمكن من الإمساك بالأسلوب الذي يرتضيه، هكذا فعل كبار الكتاب في العربية، وفي شرق الدنيا وغربها، وهكذا فعل الصديق فضل النقيب الذي امتلك أسلوبه الخاص في الكتابة السياسية والفكرية، وفي التعبير عن مشاعره التي تتماهى مع مشاعر قرائه الذين تكاثروا وزاد عددهم لاسيما في أوساط الأجيال الجديدة من الصحفيين وخريجي الجامعات، وأجزم أن لا أحد من الكتاب في بلادنا كان يجاريه في أسلوبه الواضح المتين، وفي ثراء ثقافته الحديثة والقديمة، وفي اقتداره على تنوع مايطرحه من آراء وأفكار ومداخلات فكرية وسياسية واجتماعية.

ومن النافل القول صديقي الكاتب الكبير فضل قد تمكن من امتلاك ناصية الكتابة الى درجة ادهشتني فقد كنا ذات يوم نتناول طعام الغداء في أحد المطاعم الشيبانية في صنعاء وعندما تأخرت الوجبة قليلاً شمر عن ساعده وامتشق القلم وبدأ يكتب بسرعة مثيرة للإعجاب، وفي دقائق معدودة كان قد أنجز عموداً لاحدى الصحف بخط جميل لاخدش فيه ولا التواء، وكأن أحداً كان يملي عليه مايكتبه ولولا حضور الوجبة الغذائية لكان في دقائق أخرى قد بعث بماكتبه على الإيميل للنشر، ومثل ذلك لايتأتى إلا لمن يمتلك قدراً واسعاً من المعرفة وسعة الاطلاع ومتابعة وقائع الحياة بتفاصيلها الدقيقة وأبعادها الأدق، وقد ظلت تلك الصورة في ذهني عن الصديق المبدع الراحل ولاتبارح الذاكرة.

ولاشك ان فضل النقيب الذي فقده الوطن منذ أيام كان فارساً في مواقفه نبيلاً في صداقاته وخصوماته، وقد بدأت معرفتي به عن بعد في منتصف السبعينيات، وكنت يومها أتابع دراستي لاستكمال درجة الدكتوراه، وأدركت من خلال كتاباته الأولى مدى مايتمتع به من مواهب ومايتمتع به أيضاً من شجاعة وحكمة، فالشجاعة دون حكمة لاتكون سبيلاً الى النجاح الحقيقي ولا وسيلة للتغيير والتنوير، وقد أكدت لي منابعه مايكتبه منذ ذلك الوقت المبكر انه من تلك الطلائع النادرة التي تحمل الهم العام بصدق ومن الذين لايغيرون مواقفهم بسهولة ولايبحثون في الفراغ عن المعارك الدونكيشوتية، وهو مازاد اعجابي به، وإعجاب كل الذين عرفوه مباشرة أو عن طريق مايكتبه في الصحف المحلية والعربية، رضوان الله عليه.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s