مقت الثمانية وكبرياء التنابلة

على الرغم من الأزمة المالية العالمية العاصفة التي قرضت المصارف والمؤسسات المالية، وأسواق الأسهم والسندات قرض الجرذان المتوحشة للحديد الصدئ، إلا أن أغنى ثماني دول في العالم ما زال في جعابها وكناناتها الكثير الكثير من السهام السامة، والسهام الحانة “من الحنان”، أنى شاءت وشاء لها الهوى والمصلحة وجهتها، ولأن الإنسان مجبول على الطمع والأثرة وحب الذات، فهو إذا مسه الخير منوعاً، وإذا مسه الشر جزوعاً، فإن هذه السهام الإقتصادية المتعطشة لدماء الفقراء تستصفيها وتستحلبها وتستعذبها، سوف توجه إلى حيث العوائد المجزية والفوائد المركبة والثروات الخبيئة في سطح الأرض وباطنها في دول أحزمة الفقراء الفاشلة التي تفضل الإستدانة على شد الأحزمة والعمل الجاد، بل إنها قد تفضل التسوّل وإراقة ماء الوجه وأن تكون اليد السفلى على أن تبتاع حبلاً من مسد تحتطب به ليلذ لها العيش من عرق الجبين وكد الوتين، حتى لو كان غذاؤها خبز الشعير، وإدامها الملح المرير، وإساغتها الماء الكعر المطين “المشوب بالطين”.

ولتترك لعصبة الثمانية المجتمعة في مدينة لاكويلا الإيطالية جرار النبيذ المعتق، وكركرات حبب الشمبانيا، وأطباق محار البحر المتبلة ، ولحوم الطواويس والنواويس والغزلان والطيور التي أنشجها الترحال، وما يُجلب من أعال البحار والخلجان، وما تشتمل عليه البراري ذوات الأفاويه والريحان. ليس عاراً الإعتراف بأن الجنوب يعشش في النصف المظلم من قمر العيش، وأن الشمال بيد الهالات المضيئة ببذخ، ويستفز مشاعر المغلوبين على أمرهم، فهو يأكل الأعناب وهم يحصرمون، وهو يكتسي الخز وهو مخشوشنون، وهو يصعد إلى المريخ وهم يحوقلون لاتقاء السحر وكشف الظنون، وجل وقتهم ينقضي في حراسة حظائر النساء درءاً للعيون، ودفعاً للجنون، وتأكيداً للملكية التي تصون المصون، لذلك أنهم يؤمنون – إيمان من لا يستطيع التفريق بين الناقة والجمل – بأن الدنيا تتوازن على قرن ثور، وأنه لو عن له أن يحك بقرنه جانب جسده ستتهاوي قمم الهملايا وسلاسل الأنديز، ومرتفعات السروات والجبال الجليديية في القطبين، وستفيض البحار، فيدهم المغمور المعمور، وتحترق غابات الأمازون، وبلاد الملايو، والأرخبيلات الجزرية في أندونيسيا، وسور الصين العظيم، وزبر الحديد التي سد بها ذو القرنين مخارج يأجوج ومأجوج، وجزائر واق الواق، وبحر اليابان، وخليج تايلاند، ويصبح الإنسان في خبر كان، فلماذا العناء وتعب اللحاق بالطيور المبكرة التي تسخر من قدرات السلاحف على إحراز البطولات في السباقات الماراثونية، هكذا تفكر جماعة اليد السفلى، فليصطفق العالم كالفخار يكسر بعضه بعضا… ولتتكسر النصال على النصال بيد دول المختبرات والمخترعات، وتكديس الثروات، ذلك أن التنابلة لا يتنازلون قيد أنملة عن موروث التكايا “وعلي بابا والأربعين حرامي” حتى إذا خدمهم الحظ ووقعوا على كنوز قارون وخزائن فرعون، وسحب الرشيد الجون الذي يأتيه خراجها حيث كان، فإنهم يبددونها على ملذاتهم، ويقيمون بها الأفراح والليالي الملاح، إحياء لذكرى ألف ليلة وليلة البغدادية، وأسحار جنة العريف الأندلسية، ومغاني شعب بوان الفارسية، وأسواق سمرقند الذهبية في ما وراء النهر، وظلال تاج محل في لؤلؤة الهند البراقة، ومخايل وانعكاسات مآذن اسطنبول في مرايا الدردنيل، ومغازلة القمر في أسحار النيل… ولك أن تشاركهم هذا السحر العجيب الذي ليس له من راق، فتستمتع بشميم بخور العود، وتطرب لأنغام العود جرياً على مألوف الشاعر المفارق القال:

تمتع من شميم عرار نجد=فما بعد العشية من عرار

ومعذرة للثمانية الكبار الذين يعدون الفقراء بالمليارات، ثم لا ينفذون شيئاً من وعودهم {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s