نافذة على المعرفة الجديدة
لم يتسنّ لي أن أسأل الصديق الشاب لطفي فؤاد نعمان عن العقل الواعي الذي اختار هذا الإسم الموفّق للمجلة: (الشباب – حوار) فهو منفصل يؤشر إلى (مونولوج) تبادلي دائم مع النفس ومع الآخر، وهو متصل يؤشر إلى أن التكوين الحقيقي العقلي والروحي للشباب لا يكون إلا عبر الحوار وتأصيله واحترام قيمه واتخاذه دليلاً للنظر والعمل، والإعتداد بجدواه وقابليته للتنوّع، وقدرته على تجسير المسافات بين المختلفين والمجتهدين والمزاوجة بين رأيين ليلد رأيً ثالثاً، فما من أحد على ظهر هذه الدنيا يستطيع ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، لأن كل شيء نسبيّ، هكذا أراده الله تعالى وسنّه للخلق، ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة، وإذا أردت سبر غور من يدّعون امتلاك الحقيقة المطلقة فضعهم أمام سؤال هذا التنوع في الخلق والخلائق وفي الطبيعة، وعبر مراحل التاريخ وما قبل التاريخ والحكمة منه، فستجدهم لا يحيرون جواباً، لأنهم ما اعتادوا إمعان النظر في الحكمة، ولا تدرّبوا على إدراك عظمة التنوع في الوحدة، ولا تمرّسوا بالأخذ والعطاء لإعلاء الحقيقة لا للغلبة وتزكية النفس وتحقير الآخر. ولعلّك واجدٌ من يبخع نفسه لقاء شهوة انتصار غوي يزري بالحق ويضلل الخلق، فما كان التشدّق والتكرار والنقل دون إعمال العقل ودون قراءة الواقع هو الطريق الأصيل إلى ترقية الحياة، فتوليد الكلام من الكلام ليس سوى استنساخ باهت لأحافير ميتة.
إن التحصين الفكري للشباب يبدأ من التربية والإنفتاح على الآخر واحترامه وقراءة ما لديه والسماع إلى وجهة نظره، فما من خلق ينشدون الباطل لوجه الباطل، إنما هناك مصالح بعضها معنوي وبعضها مادي تكمن خلف التضليل الذي يؤدي بدوره إلى زرع بذور الشك وتجميل الشر وتحريف الشباب الذين يعدّون بمثابة صفحات بيضاء يختطفون من براءتهم وإقبالهم على العمل بالحق ليقال لهم اسلكوا هذا الطريق ولا طريق غيره لتصلوا إلى حيث تنشدون المعرفة البكر، والحياة الغضّة، والخلود الذي لا يَبلى ولا يزول. وتراهم يحذّرونهم من أن ينظروا يمنة أو يسرة أو يصغوا إلى أحدٍ آخر، أو تقع عيونهم على منظر جديد، ففي ذلك الفتـنة كل الفتـنة. والذين يقفون وراء هذه المدرسة الظلامية لا يريدون تنوير الشاب الناشط، وإنما حصره وإحصاره في زاوية مظلمة ليجري غسل دماغه حتى يصبح أداة طيّعة تنفّذ ما يقال لها دون نقاش، وهكذا نرى بعض الشباب يخسرون أنفسهم ويسيئون إلى أهلهم ويلحقون الأضرار بأوطانهم، لأنهم أحجموا عن الحوار، وافتقدوا الثقة في أنفسهم، علماً أن الإنسان أيّ أنسان يحمل في داخله مصباح الهدى، وفي عقله من القوى الخفية ما لو أطلقه إلى النور لكان منه الهداية الكبيرة إلى طرق الحق وإلى ينابيع الحياة وإلى المعرفة المطمئنة وإلى العيش المشترك ضمن الشعب الواحد والشعوب المجاورة والحضارات المتباعدة.
الشباب – حوار، نافذة على المعرفة الجديدة، والعقول المستجدة، والأفكار النيّرة، نشدّ على أيدي القائمين عليها، ونرجوا أن تكون في داخلها وفي تحريرها وفي سعة صدرها التجسيد المناسب المجتهد لهذا الشعار الذي يدعو إلى تفتح ألف زهرة وزهرة في وطننا السعيد بأبنائه وتراثه الثري بأحلام المستقبل الواعد.