أصداء النزول على القمر…

أخذ استكشاف الفضاء مكانه المرموق إلى جانب الحُروب والتنافس الإقتصادي المُستعر حول العالم في تطوير العُلوم والتكنولوجيا والسيطرة على الكون، لذلك نجد أن هذه المجالات تتصل ببعضها اتصالاً وثيقاً، وتُعطي مؤشرات موازين القوى المُستقبلية، ومن خفّت موازينه في أيّها فأمه هاوية، فالصين والهند – وهما من الاقتصادات الصاعدة – تقتحمان علوم الفضاء بصورة مبرمجة وحثيقة ومبدعة، وباستثمارات سخيّة، وبعقول عبقرية تفوقها معاً على دول مثل ألمانيا، وهي من هي في تاريخ العلوم والتكنولوجيا، واليابان المهيأة والثرية، التي تقدم خطو ة وتؤخر أخرى، لأسباب لا يعلمها إلا الله تعالى، وفرنسا وبريطانيا، اللتين تتكئان على الإنجازات الأمريكية المحلقة، ذلك أن الدخول في سباق الفضاء لا بد له أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون، وفي ذلك ما فيه من تخصيص موارد طائلة للبحث والاستكشاف وتطوير التكنولوجيا الملائمة، ومع ذلك فما من ضمان بالتفوق، لأن الدولة المتوسطة ولو كانت عظمى بمقاييس مجلس الأمن، لا يمكنها أن تتوفر على قاعدة علمية شاملة جامعة مانعة بحسب تعريف المناطقة، فقد أعجزت متطلبات (حرب النجوم) بين واشنطن وموسكو الإتحاد السوفييتي، واستنزفته وشغلته عن بناء رواسي القوة في الإقتصاد، والإحاطة واللحاق بالتطوّر العلمي المُتسارع حول العالم، حتى اضطر إلى التسليم فتقوض بنيانه وتراجعت عظمته ولفته الفوضى زمناً قبل أن يتشظى ويعيد ترتيب أولوياته بما يتناسب مع الواقع، بعيداً عن أحلام الامبراطوريات التي تتكتم على خسائرها وهزائمها حتى يأتي وقت أو حدث يكشف المستور، فلا يكون هناك مفر مع المقدور وما يخبئه المجهول، وقد حدث مثل ذلك مع جنّ النبي سليمان الذين كانوا يعملون له ما شاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب (الحياض العظام)، وذلك بأمر الله تعالى {ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السّعير}، ومع طاقاتهم الهائلة وقدراتهم النافذة، فقد عجزوا عن إدراك أ، سليمان بن داود قد مات وماتت معه امبراطوريته كما مات الإتحاد السوفييتي مع جوزيف ستالين، وإن تأخر الدفن والعزاء، لأن البشر يقرأون أوهامهم عادة ويعيشونها كالطفل يتشبث بضرع أمه حتى تركلهم الأوهام ركلاً، {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خرّ تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.

على كل حال، لم يذهب ما بناه الآباء السوفييت المؤسّسون هدراً، فقد ظلت موسكو لاعباً فضائياً يحتل المرتبة الثانية، وليس أدل على ذلك من صواريخها الذاهبة والعائدة من الفضاء، تُطلق الأقمار الصناعية وتُشارك بفاعلية في بناء المخطة الدولية التي تكلفت حتى الآن مائة مليار دولار، وهذا مؤشر لزمن قادم يكون فيه استكشاف الفضاء شراكة دولية بين المتقدّمين، أما المتأخرين ممن قعد بهم الطموح وعجزوا عن الجُموح فلا عزاء لهم، وقد عجز العرب عن إقامة وكالة فضاء، وهو أبرك وأعود من كل الهلاميات التي ينسجونها كبيوت العنكبوت.

قبل أيام احتفلت الولايات المتحدة ومعها الإعلام العالمي بكل اللغات والألسن بذكرى مرور (40) عاماً على هبوط أول إنسان على سطح القمر، وهو الأمريكي (نيل أرمسترونج)، وذلك على متن مركبة الفضاء (أبوللو) في 20 يوليو 1969م، وقد أعاد الإعلام تذكرينا بالجملة التاريخية التي نطق بها ارمسترونج يخاطب أهل الأرض من على سطح القمر: “إنها خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة عملاقة للبشرية”.
وفي هذه المناسبة أستذكر شاعرين من اليمن احتفيا بالحدث، فكانا في مقدمة طلائع التنوير بمقابل العديد من العلماء المقلّدين الذين أنكروا النزول على القمر جملة وتفصيلا، الأول أستاذنا محمد سعيد جرادة، الشاعر المبدع الذي لم ينل حقه من التقدير والدرس:

يقول رجال العلم أن عجائباً=سيكشف عنها المقبل المتجدد

فقد يصبح الإنسان في الجو رائداً=يسجل أبعاد النجوم ويرصد

وقد ينزل المريخ أو زائر=يقام له فيه احتفال ويعقد

ألا إن نهج العلم أضحى حقيقة=سني شمسه زاد الضحى ليس يجحد

ولكن نجح الروح أعظم مكسباً=وأحفل بالخير العميم وأعود

أجل سماء يرتقي الحي شأوها=سماء بها فجر المحبة يولد

أما لاشاعر الثاني، فهو الأستاذ لطفي جعفر أمان، المعلّم المجدّد، حيثما وضع قلمه أو أرشع لسانه:

الفضاء الفضاء يا نفس طيري=أطلقي قوتي لغزو الفضاء

مطمحي عالم يسير به الأفلاك=في غامر من الأضواء

كم ترصدته سنين وأحصيت=مدارات شهبه الزهراء

بجناحين من خيال وعلم=يستشفان خافيات السماء

رحم الله شاعرينا الكبيرنين، ونوّر عقولنا بالعلم، وأبعدنا عن الجهل الذميم الذي لا يرحم ولا يترك رحمة الله تنزل .

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s