أنصت العالم باهتمام بالغ إلى رؤية الرئيس الأمريكي باراك أوباما للعلاقات المستقبلية بين بلاده والمسلمين، والتي عبر عنها بأكبر قدر ممكن من الوضوح في خطابه بجامعة القاهرة، والذي سبق الترويج له أمريكياً وإسلامياً ودولياً على أنه سيحدد مفترق الطرق، وقد يكون فصل الخطاب، عقب سنوات من التخبط وانعدام الثقة والإستخدام المفرط لقوى الدولة الأعظم في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي، وذلك إبان الولايتين المظلمتين لجورج بوش الصغير، والذي افتقد بوضوح الثقافة العميقة والتبصر الحكيم، والمواهب القيادية، فأصبح يقاد ولا يقود بعد أن أسلم زمامه ومقدرات أمركيا إلى اليمين الصهيوني، ممثلاً في ديك تشين نائبه ورامسفيلد وزير الدفاع السابق، واللذين باشرا مع أتباعهما من المتعصّبين وضع خرائط الحروب وإطلاقها، انطلاقاً من غلبة القوة وسطوة التكنولوجيا العسكرية المتطورة فيما عرف بسياسة (الترويع والصدمة) وهي السياسة التي أثبتت فشلها الذريع ونتائجها المأساوية وأساليبها اللاإنسانية واعتمادها على الكذب والتلفيق وخداع الرأي العام الذي استفاق مع كشوفات (أبوغريب) وجوانتانامو والثمن الإقتصادي الباهظ الذي قوّض بنى الرأسمالية الأمريكية وأفلس ملايين المواطنين، كما ترك الملايين يعانون البطالة والقلق من المستقبل.
على أنقاض هذه الحقبة الكارثية جاء أوباما إلى الرئاسة، بتفويض شعبي واسع، وثقة بثقافته وحكمته ومواهبه القيادية، ليعيد ترتيب علاقات أمريكا مع العالم بما يخدم مصالحها الحقيقة لا أجندات اللوبيات المرتبطة بمصالح دول أخرى، ولا استجابة لشذوذ الأيدلوجيات والأساطير التوراتية التي عبرت في مركز القرار باعتبارها تكاليف الهيئة، وتديناً وابحث خلفها بالمال والبنين والدماء هو من الطاعة وشكر النعم.
علينا كعرب ومسلمين وكمستضعفين في أوطاننا أن نضع في الاعتبار الصراط الذي عبرت عليه أمريكا لتصل إلى أوباما، وقد تحلى الرجل بقدر محمود من الشجاعة وصفاء البصرة والإدارة الخيّرة، وخطابه الشامل في جامخعة القاهرة والذي أنصت إليه أكثر من مليار شخص حول العالم ليس خطاب علاقات عامة كما يقول الإخوان، ولا مجرد بيع كلام دون فعل كما يقول ويتمنى آخرون، ذلك أن من الطبيعي أن يسبق الكلام الفعل كما تسبق الفكرة النطق، وعلينا أن لا ننسى أننا الطرف الثاني في المعادلة، ولن يقدم إلينا أي شيء على طبق من ذهب دون أن نتقدم غير وجلين إلى ميادين السياسة والحوار ونبذ الخنوع واممالاة لأصحاب الأجندات الخاصة الذين لا يهمهم الزمن في شيء ولا يبالون بدماء وأموال وأمن الشعوب، هؤلاء سيقولون “لا” لأي إيجاب اليوم، وغداً كما كانوا بالأمس، وليس لديهم أي بديل متفق عليه أو يتماشى مع العقل ويتماشى مع السياسة، وسيحاولون إفساد أي مصالحة بالإرهاب وبالدعاية المسمومة وتصوير القادة والمثقفين الذين يسعون إلى بصيص ضوء في نهاية النفق الذي تراوح فيه قرناً من الزمن، على أنهم علماء وأتباع للأجنبي ومفرطون بالحقوق، وهي الأسطوانة نفسها التي نسمعها منذ وعينا على هذه الدنيا.
لقد خطا أوباما الخطة الأولى بالإعلان الواضح أن بالده ليس في حرب مع الإسلام، ولن تكون، وأنها ستعلن مبادئها ولكنها لن تفرضها على أحد تاركة للتطور الطبيعي والتأثيرات الحضارية القيام بدورها في إشاعة الحرية والديمقراطية والشفافية. وفي الشأن العربي اليهودي بتنى أوباما نظرة متوازنة بإدانته للمستوطنات وتأكيده لحل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. إن أوباما ينقذ إسرائيل بخطته من شرور نفسها، ويجنب أمريكا التورط في حروب ونزاعات قد يكون لها أول ولكن ليس لها آخر، ولها أثمان باهظة على كل المستويات، لقد رحب أيضاً بالشراكة وتبادل المعرفة وعلاقات الإحترام والندية، ولا ينبغي أن يقابل مثل هذا النهج المتوازن بالأفكار والتشكيك والقول لصاحبه: “إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، علنا أن نعطي أنفسنا فرصة أن نكون اليد الأخرى في التصفيق بكل شجاعة، بعد أن نمد أيدينا إلى أوباما”.